الثاني: أن يفرض أن الغرض المترتب على الخصال - أعني: الصوم والعتق والإطعام - وإن كان واحدا نوعيا وواحدا بالسنخ إلا أن الإلزامي من ذلك الغرض وجود واحد منه، وبما أن نسبة كل منها إلى ذلك الوجود الواحد على السوية فلذا يجب الجميع، لأن وجوب أحدها المردد في الواقع غير معقول، ووجوب أحدها المعين ترجيح بلا مرجح. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: حيث إن وجودا واحدا من ذلك الغرض لازم، فلأجل ذلك يجوز ترك كل منها عند الإتيان بالآخر (1).
ولنأخذ بالمناقشة على هذه النظرية بكلا تفسيريها.
أما تفسيرها الأول فيرد عليه:
أولا: أنه مخالف لظاهر الدليل، حيث إن ظاهر العطف فيه بكلمة " أو " هو وجوب أحدهما أو أحدها، لا وجوب الجميع كما هو واضح.
وثانيا: أنا قد ذكرنا غير مرة: أنه لا طريق لنا إلى إحراز الملاك في شئ ما عدا تعلق الأمر به، وحيث إن الأمر فيما نحن تعلق بأحد الطرفين أو الأطراف فلا محالة لا نستكشف إلا قيام الغرض به. فإذا لا طريق لنا إلى كشف تعدد الملاك أصلا، فيحتاج الحكم بتعدده وقيامه بكل منها إلى دعوى علم الغيب.
وثالثا: أنه لا طريق لنا إلى أن مصلحة التسهيل والإرفاق على حد توجب جواز ترك الواجب، وعلى فرض تسليم أنها تكون بهذا الحد فهي - عندئذ - تمنع عن أصل جعل الوجوب للجميع، ضرورة أن مصلحة ما عدا واحد منها مزاحمة بتلك المصلحة، أعني: مصلحة التسهيل والإرفاق. ومن الواضح - جدا - أن المصلحة المزاحمة بمصلحة أخرى لا تدعو إلى جعل حكم شرعي أصلا، وغير قابلة لأن تكون منشأ له، فإذا إيجاب الجميع بلا مقتض.
وعلى الجملة: فمصلحة التسهيل والإرفاق لو كانت إلزامية فتمنع عن أصل جعل الوجوب لجميع الأطراف أو الطرفين، لا أنها توجب جواز ترك الواجب،