ولكن بعد ارتكاب تلك المقدمة في الخارج ولو باختياره واضطراره إلى شربه من ناحية توقف حفظ النفس عليه - لا محالة - لا يقع هذا الشرب المتوقف عليه ذلك إلا محبوبا للمولى ومطلوبا له عقلا وشرعا، وذلك كمن يجعل نفسه مريضا باختياره وإرادته ويضطر بذلك إلى شربه، أو يأتي بمقدمة يضطر بها في حفظ بيضة الإسلام إلى قتل نفس محترمة مثلا.... وهكذا، ولكن بعد جعل نفسه مضطرا إلى ذلك لا يقع الشرب المتوقف عليه حفظ النفس إلا مطلوبا عقلا وشرعا، وكذا قتل النفس المحترمة المتوقف عليه حفظ الدين لا يقع في الخارج إلا محبوبا ومطلوبا.
وما نحن فيه كذلك، فإن الشارع بما أنه لا يرضى بالتصرف في مال الغير بدون إذنه مطلقا ولو كان ذلك بالخروج وبعنوان التخلية ورده إلى مالكه فلا محالة يحكم بحرمة المقدمة التي بها يضطر المكلف إلى الخروج، أعني بها: الدخول، فعندئذ يقع الدخول محرما من ناحية نفسه ومن ناحية كونه مقدمة للخروج، وأما الخروج بعده فيقع محبوبا ومطلوبا عقلا وشرعا.
وعلى الجملة: فالخروج لا يخلو: من أن يكون حاله حال ترك الصلاة فيكون مبغوضا في حال دون آخر، كما في حال الحيض والنفاس وما شاكل ذلك، فإنه يجوز للمرأة أن تفعل فعلا كأن تشرب دواء يترتب عليه الحيض لتترك صلاتها، أو يكون حاله حال شرب الخمر فيكون مبغوضا في جميع الحالات، ولذا يحرم التسبيب إليه. فإن كان من قبيل الأول فهو واجب نفسا من ناحية كونه مصداقا للتخلية بين المال ومالكه، وإن كان من قبيل الثاني فهو واجب غيري من ناحية كونه مقدمة لواجب أهم، وهو التخلية بين المال ومالكه، فيكون حاله - عندئذ - حال شرب الخمر المتوقف عليه حفظ النفس المحترمة، فكما أنه بعد الاضطرار إليه بسوء اختياره واجب بوجوب غيري ومطلوب للشارع فكذلك الخروج بعد الدخول.
غاية الأمر: أن المقدمة التي بها اضطر المكلف إلى شرب الخمر لحفظ النفس المحترمة سائغة في نفسها، ولكنها صارت محرمة من ناحية التسبيب والمقدمية.