وعلى الثاني: فالواجب كفائي، بمعنى: أنه واجب على أحد المكلفين، لا بعينه المنطبق على كل واحد واحد منهم، ويسقط بفعل بعض عن الباقي، وهذا واقع في العرف والشرع، ولا مانع منه أصلا.
أما في العرف فلأنه لا مانع من أن يأمر المولى أحد عبيده أو خدامه بإيجاد فعل ما في الخارج من دون أن يتعلق غرضه بصدور هذا الفعل من خصوص هذا وذاك، ولذا فأي واحد منهم أتى به وأوجده فقد حصل الغرض وسقط الأمر لا محالة، كما إذا أمر أحدهم بإتيان ماء - مثلا - ليشربه فإنه من المعلوم أن أي واحد منهم قام به فقد وفى بغرض المولى.
وأما في الشرع فأيضا كذلك، ضرورة أنه لا مانع من أن يأمر الشارع المكلفين بإيجاد فعل في الخارج: كدفن الميت - مثلا - أو كفنه أو ما شاكل ذلك، من دون أن يتعلق غرضه بصدوره عن خصوص واحد منهم، بل المطلوب وجوده في الخارج من أي واحد منهم كان، فإن نسبة ذلك الغرض الواحد إلى كل من المكلفين على السوية، فعندئذ تخصيص الواحد المعين منهم بتحصيل ذلك الغرض خارجا بلا مخصص ومرجح، وتخصيص المجموع منهم بتحصيل ذلك مع أنه بلا مقتض وموجب باطل بالضرورة كما عرفت (1). وتخصيص الجميع بذلك على نحو العموم الاستغراقي أيضا بلا مقتض وموجب، إذ بعد كون الغرض واحدا يحصل بفعل واحد منهم، فوجوب تحصيله على الجميع - لا محالة - يكون بلا مقتض وسبب، فإذا يتعين وجوبه على الواحد لا بعينه المعبر عنه بصرف الوجود.
ويترتب على ذلك أنه لو أتى به بعض فقد حصل الغرض - لا محالة - وسقط الأمر، لفرض أن صرف الوجود يتحقق بأول الوجود ولو أتى به جميعهم، كما إذا صلوا على الميت - مثلا - دفعة واحدة كان الجميع مستحقا للثواب، لفرض أن صرف الوجود في هذا الفرض يتحقق بوجود الجميع دون خصوص وجود هذا