فإذا مرجع النهي التخييري إلى النهي عن الجمع بين الفعلين، ومرد الوجوب التخييري إلى إيجاب الجامع بين شيئين أو أشياء، لا إلى إيجاب كل منهما بخصوصه كما تقدم بيان ذلك في بحث الواجب التخييري بشكل واضح (1).
وبعد ذلك نقول: إنه لا تنافي بين إيجاب الجامع بين شيئين وحرمة الجمع بينهما، لا بحسب المبدأ ولا بحسب المنتهى.
أما بحسب المبدأ فلأنه لا مانع من قيام مصلحة ملزمة بالجامع بينهما وقيام مفسدة ملزمة بالمجموع منهما، ضرورة أن المانع إنما هو: قيام كلتيهما في شئ واحد، لا قيام إحداهما بشئ والأخرى بشئ آخر، وهذا واضح.
وأما بحسب المنتهى فلفرض أن المكلف قادر على امتثال كلا التكليفين معا، لأنه إذا أتى بأحدهما وترك الآخر فامتثل كليهما. وعليه، فلا تنافي بينهما أصلا، أي: لا في المبدأ ولا في المنتهى. هذا بناء على ما حققناه في بحث الواجب التخييري: من أن الواجب هو الجامع بين فعلين أو أفعال.
وأما بناء على أن يكون الواجب هو: كل واحد منهما بخصوصه، غاية الأمر عند الإتيان بأحدهما يسقط الآخر فأيضا لا تنافي بينهما، أعني: بين الواجب التخييري كذلك والحرام التخييري أما بحسب المنتهى فواضح. وأما بحسب المبدأ فلأنه لا منافاة بين قيام مصلحة في كل واحد منهما خاصة، بحيث مع استيفاء تلك المصلحة في ضمن الإتيان بأحدهما لا يمكن استيفاء الأخرى في ضمن الإتيان بالآخر وقيام مفسدة بالجمع بينهما في الخارج كما هو ظاهر.
ونتيجة ما ذكرناه هي: أن ملاك النزاع في المسألة يعم جميع أنواع الإيجاب والتحريم، ما عدا الإيجاب والتحريم التخييريين.
الثامنة قد يتوهم أنه لابد من اعتبار قيد المندوحة في محل النزاع في هذه المسألة،