ومن هنا يظهر ما في كلام صاحب الكفاية (قدس سره)، حيث جعل هذا محل الكلام والنزاع هنا، ولأجل ذلك حكم بعدم الجواز. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: أن ما ذكره (قدس سره) من الجواز فيما إذا لم يكن الأمر بداعي البعث والتحريك واقعا، بل كان بداعي الامتحان أو نحوه أيضا خارج عن محل البحث، ضرورة أن محل البحث في الجواز وعدمه إنما هو في الأوامر الحقيقية التي يكون الداعي فيها البعث والتحريك نحو إيجاد متعلقاتها في الخارج حقيقة.
أما في الأوامر الصورية التي ليس الداعي فيها البعث نحو إيجاد متعلقاتها في شئ، بل الداعي لها الامتحان أو غيره فلا إشكال في جوازها مع علم الآمر بانتفاء شروط فعليتها، بل لا إشكال في وقوعها في العرف والشرع كما هو ظاهر.
فالنتيجة: أنه لا مجال للنزاع في الأوامر التي لم يكن الداعي فيها وقوع متعلقاتها في الخارج، بل الداعي لها مجرد الامتحان أو الاستهزاء أو شئ آخر، كما أنه لا مجال للنزاع في شرائط الجعل، ولكن في الأول من ناحية أنه لا إشكال في جواز تلك الأوامر، بل في وقوعها خارجا، وفي الثاني من ناحية أنه لا إشكال في عدم جوازه، بل في امتناعه مع انتفاء شرطه كما عرفت.
وأما الكلام في الثانية - وهي شرائط المجعول - فقد ذكرناه في بحث الواجب المطلق والمشروط: أن كل شرط اخذ مفروض الوجود في مقام الجعل تستحيل فعلية الحكم بدون فعليته ووجوده في الخارج، لما ذكرناه هناك: من أن فعلية الحكم في القضية الحقيقية تدور مدار فعلية موضوعه ووجوده، ويستحيل تخلفها عنه.
مثلا: وجوب الحج مشروط بوجود الاستطاعة بمقتضى الآية الكريمة: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (1) فتستحيل فعليته بدون فعلية الاستطاعة في الخارج. وكذا وجوب الزكاة مشروط ببلوغ المال حد النصاب، فإذا بلغ المال ذلك الحد تجب الزكاة عليه فعلا، وإلا فلا وجوب لها أصلا،