ذلك المبرز صيغة أمر أم نهي، لما عرفت من أنه لا شأن للمبرز - بالكسر - أصلا ما عدا إبرازه ذلك الأمر الاعتباري في الخارج، والعبرة إنما هي للمبرز - بالفتح -، فإنه إذا كان ناشئا عن مصلحة في متعلقه - سواء كان متعلقه فعلا أم تركا - فهو أمر حقيقة وإن كان مبرزه في الخارج صيغة النهي، وإذا كان ناشئا عن مفسدة في متعلقه كذلك فهو نهي حقيقة وإن كان مبرزه في الخارج صيغة الأمر أو ما يشبهها.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أن الأمر المتعلق بالترك على قسمين:
أحدهما: أنه أمر ضمني متعلق بعدم إيجاد شئ في العبادات أو المعاملات.
وثانيهما: أنه أمر استقلالي متعلق بعدم إيجاد شئ مستقلا.
أما القسم الأول فهو بمكان من الكثرة في أبواب العبادات والمعاملات.
وأما القسم الثاني فهو قليل جدا. نعم، يمكن أن يكون الصوم من هذا القبيل، باعتبار أن حقيقته: عبارة عن ترك عدة أمور: كالأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء ونحو ذلك، وليست عبارة عن عنوان وجودي بسيط متولد من هذه التروك في الخارج. فإذا الأمر بالصوم ناش عن قيام مصلحة ملزمة في هذه التروك، ولم ينشأ عن قيام مفسدة كذلك في فعل هذه الأمور، ولذا يقال: إن الصوم واجب، ولا يقال: إن فعل المفطرات محرم.
وعليه فلا محالة يكون مرد النهي عن كل من الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء في نهار شهر رمضان إلى اعتبار تروك هذه الأمور على ذمة المكلف باعتبار وجود مصلحة إلزامية فيها. فالنهي عن كل واحد منها إرشاد إلى دخل تركه في حقيقة الصوم، وأنه مأمور به بالأمر الضمني.
فالنتيجة: هي أن مجموع هذه التروك مأمور به بالأمر الاستقلالي، وكل منها مأمور به بالأمر الضمني.
ومن هذا الباب أيضا تروك الإحرام في الحج، فإن كلا منها واجب على المكلف وثابت في ذمته، وليس بمحرم، ضرورة أن النهي عنه غير ناش عن قيام مفسدة إلزامية في فعله، بل هو ناش عن قيام مصلحة ملزمة في نفسه، بمعنى: