وأما الدعوى الثانية - وهي: عدم كون المقام داخلا في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار - فقد استدل عليها بوجوه:
الأول: أن ما يكون داخلا في كبرى هذه القاعدة لابد أن يكون مما قد عرضه الامتناع باختيار المكلف وإرادته: كالحج يوم عرفة لمن ترك مقدمته باختياره وقدرته، وكحفظ النفس المحترمة لمن ألقى نفسه من شاهق، ونحوهما من الأفعال الاختيارية التي تعرض عليها الامتناع بالاختيار. ومن الواضح جدا أن الخروج من الدار المغصوبة ليس كذلك، فإنه باق على ما هو عليه من كونه مقدورا للمكلف فعلا وتركا بعد دخوله فيها، ولم يعرض عليه الامتناع كما هو واضح.
نعم، مطلق الكون في الأرض المغصوبة الجامع بين الخروج والبقاء بأقل مقدار يمكن فيه الخروج وإن كان مما لابد منه ولا يتمكن المكلف من تركه بعد دخوله فيها.
إلا أن ذلك أجنبي عن الاضطرار إلى خصوص الغصب بالخروج كما هو محل الكلام، ضرورة أن الاضطرار إلى جامع لا يستلزم الاضطرار إلى كل واحد من أفراده.
مثلا: لو اضطر المكلف إلى التصرف في ماء جامع بين ماء مباح وماء مغصوب فهو لا يوجب جواز التصرف في المغصوب، لفرض أنه لا يكون مضطرا إلى التصرف فيه خاصة ليكون رافعا لحرمته، بل هو باق عليها، لعدم الموجب لسقوطها، فإن الموجب له إنما هو تعلق الاضطرار به، والمفروض أنه غير متعلق به، وإنما تعلق بالجامع بينه وبين غيره، فإذا لا يجوز التصرف فيه.
نعم، يتعين عليه - عندئذ - التصرف في خصوص الماء المباح ورفع الاضطرار به، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الاضطرار إلى مطلق الكون في الأرض المغصوبة الجامع بين الخروج والبقاء لا يوجب الاضطرار إلى خصوص الخروج، بل الخروج باق على ما هو عليه من كونه مقدورا من دون أن يعرض عليه ما يوجب امتناعه.