وقد ذكرنا في بحث الضد: أن الترتب كما يمكن بين الحكمين في مقام الفعلية والامتثال كذلك يمكن بين الحكمين في مقام الجعل والتشريع، فلا مانع من أن يكون جعل الحكم لأحد الأمرين مترتبا على عدم الإتيان بالآخر (1).
وغير خفي أن هذا مجرد فرض لا واقع له أصلا.
أما أولا: فلأن هذا الفرض خارج عن محل الكلام، فإن المفروض في محل الكلام هو ما إذا كان الغرض واحدا بالذات، وفرض تعدد الغرض بتعدد أفعال المكلفين فرض خارج عن مفروض الكلام.
وأما ثانيا: فلأن فرض التضاد بين الملاكات مع عدم التضاد بين الأفعال يكاد يلحق بأنياب الأغوال، بداهة أنه لا واقع لهذا الفرض أصلا، على أنه لو كان له واقع فلا طريق لنا إلى إحراز تضادها، وعدم إمكان الجمع بينها مع عدم التضاد بين الأفعال.
وأما ثالثا: فلأن فرض تعدد الغرض إنما يمكن فيما إذا كان الواحب متعددا خارجا، وأما إذا كان الواجب واحدا - كما هو المفروض في المقام - كدفن الميت وكفنه وغسله وصلاته ونحو ذلك فلا معنى لأن تترتب عليه أغراض متعددة، فلا محالة يكون المترتب عليه غرضا واحدا، بداهة أنه لا يعقل أن يكون المترتب على واجب واحد غرضين أو أغراض كما هو واضح. فالنتيجة: أن هذا الوجه أيضا فاسد.
الرابع: أن يكون التكليف متوجها إلى أحد المكلفين لا بعينه المعبر عنه بصرف الوجود، وهذا الوجه هو الصحيح.
بيان ذلك: هو أن غرض المولى كما يتعلق تارة بصرف وجود الطبيعة واخرى بمطلق وجودها كذلك يتعلق تارة بصدوره عن جميع المكلفين واخرى بصدوره عن صرف وجودهم.
فعلى الأول: الواجب عيني فلا يسقط عن بعض بفعل بعض آخر، وهكذا....