والقول بعدم وجوده فعلى الأول يتعلق الأمر بالطبيعة، وعلى الثاني بالفرد.
بيان ذلك: هو أنه لا شبهة في أن كل وجود في الخارج بذاته وشخصه يمتاز عن وجود آخر ويباينه، ويستحيل اتحاد وجود فيه مع وجود آخر، ضرورة أن كل فعلية تأبى عن فعلية أخرى، وكل وجود يباين وجودا آخر ويأبى عن الاتحاد معه.
وبعد ذلك نقول: إنه لا إشكال في أن الوجود بواقعه وحقيقته لا بمفهومه الانتزاعي وجود للفرد حقيقة وذاتا، بداهة أن إسناد الوجود إليه إسناد واقعي حقيقي مثلا: زيد موجود حقيقة، وعمرو موجود كذلك، وهكذا...، وهذا مما لا إشكال فيه، سواء فيه القول بوجود الطبيعي في الخارج أو القول بعدم وجوده.
وبكلمة أوضح: أن كل حصة في الخارج تباين حصة أخرى منها، وتمتاز عنها بهويتها الشخصية ووجودها الخاص مثلا: الحصة المتقررة من الإنسانية في ذات زيد تباين الحصة المتقررة في ذات عمرو، وهكذا...، أو تمتاز عنها بنفس هويتها ووجودها، ولكن من الطبيعي أن امتياز أية حصة عن حصة أخرى ليس بالذات والحقيقية، وإنما هو بالوجود، ضرورة أن امتياز كل شئ به بقانون أن الشئ ما لم يوجد لم يتشخص. وقد عرفت أن الوجود هو نفس التشخص، فلذا قلنا: إن امتياز وجود عن وجود آخر إنما هو بنفس ذاته وتشخصه، وعليه فلا محالة يكون امتياز حصة عن أخرى أو فرد عن آخر بإضافة الوجود الحقيقي إليها، فإن الحصة بالتحليل العقلي تنحل إلى ماهية وإضافة، أعني: إضافتها إلى الوجود، وتلك الإضافة توجب صيرورتها حصة وفردا بحيث لو لم تكن تلك الإضافة فلا حصة في الخارج ولا فرد، فملاك فردية زيد - مثلا - وكونه حصة من الإنسان إنما هو إضافة الوجود الواقعي إليه إضافة حقيقية.
ومن هنا قلنا: إن امتياز الحصة عن الأخرى بالوجود، ولكن امتياز وجودها عن وجودها الآخر بالذات والحقيقة بقانون أن كل ما بالغير لابد وأن ينتهي إلى ما بالذات.