أخف القبيحين وأقل المحذورين، وبما أن ذلك منته إلى اختيار المكلف فلا ينافي استحقاق العقاب عليها. وعلى تقدير تسليم كونها مقدمة فقد عرفت أنها غير واجبة.
ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا عروض الوجوب الغيري لها فمن الطبيعي أنه لا ينافي مبغوضيتها النفسية واستحقاق العقاب عليها إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار كما هو الحال في المقام، ضرورة أن الوجوب الغيري لم ينشأ عن الملاك ومحبوبية متعلقه ليقال: إنها كيف تجتمع مع فرض مبغوضيتها في نفسها؟ بل هو ناش عن مجرد صفة مقدميتها وتوقف الواجب عليها، ومن المعلوم أنها لا تنافي مبغوضيتها النفسية أصلا.
ومن ذلك يظهر حال المثالين المزبورين أيضا، وذلك لأن العقاب فيهما ليس على التسبيب والإتيان بالمقدمة التي بها يضطر المكلف إلى شرب الخمر أو قتل النفس المحترمة.
والوجه في ذلك: هو أن تلك المقدمة لو كانت محرمة في ذاتها ومبغوضة للمولى لاستحق العقاب على نفسها، سواء أكانت مقدمة لارتكاب محرم آخر أم لا.
وأما لو لم تكن محرمة بذاتها وكانت سائغة في نفسها فلا وجه لاستحقاق العقاب عليها أصلا، بل يستحق العقاب - عندئذ - على ارتكاب المحرم: كشرب الخمر - مثلا - أو قتل النفس، لفرض أن الاضطرار إلى ذلك منته إلى الاختيار، بداهة أنه لو لم يكن هذا الشرب أو القتل الذي هو مقدمة لواجب أهم مبغوضا للمولى، بل كان محبوبا له من ناحية عروض الوجوب الغيري له على الفرض لا معنى لاستحقاق العقاب على التسبيب إليه وكونه - أي: التسبيب - مبغوضا ومحرما، لوضوح أن التسبيب إلى المحرم حرام ومبغوض، لا التسبيب إلى غيره.
وأما إذا فرض كون هذا الشرب أو القتل محبوبا فلا يعقل كون التسبيب إليه محرما، وهذا واضح.
فإذا لا مناص من الالتزام بكون العقاب على نفس هذا الشرب أو القتل باعتبار أن الاضطرار إلى ارتكاب ذلك منته إلى الاختيار فلا ينافي العقاب،