وقعت المزاحمة بين صرف المال الموجود عنده في نفقة عياله وصرفه في إطعام ستين مسكينا - مثلا - بعد فرض أنه لا يكفي إلا لأحدهما فحسب، وحيث إن للثاني بدلا في عرضه - وهو صوم شهرين متتابعين - فيتقدم الأول عليه في صورة المزاحمة مطلقا ولو كان ماله البدل أهم منه.
الثاني: ما إذا وقعت المزاحمة بين الأمر بالوضوء أو الغسل، والأمر بغسل الثوب أو البدن للصلاة، وبما أن للوضوء أو الغسل بدلا في طوله - وهو التيمم - فيتقدم الأول عليه، فتنتقل الوظيفة إلى التيمم (1).
أقول: أما المورد الأول فقد تقدم الكلام فيه بشكل واضح في بحث الضد عند التكلم عن مرجحات باب التزاحم، وقلنا هناك: إنه خارج عن كبرى هذا الباب (2)، وذلك لما ذكرناه في بحث الواجب التخييري: من أن الواجب هو الجامع بين الفعلين أو الأفعال، لا كل واحد منهما مثلا: الواجب في خصال الكفارة هو الواحد لا بعينه، لا كل واحد منها خاصة. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى قد ذكرنا: أن منشأ التزاحم بين الحكمين إنما هو عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مرحلة الامتثال.
فالنتيجة على ضوئهما: هي أنه لا تزاحم في أمثال هذا المورد، لفرض أن المكلف قادر على امتثال كلا الواجبين معا، ومعه لا مزاحمة بينهما أبدا، ضرورة أنه كما يكون قادرا على امتثال الأمر بالنفقة والإتيان بمتعلقه في الخارج كذلك يكون قادرا على امتثال الأمر بالجامع بين الخصال والإتيان بمتعلقه فيه. فما هو واجب - وهو الجامع بينها - لا يكون مزاحما للأمر بصرف هذا المال في النفقة ومانعا عنه، وما هو مزاحم له ومانع عنه - وهو إطعام ستين مسكينا - ليس بواجب، فإذا لا يعقل التزاحم في هذه الموارد.
نعم التزاحم، إنما يكون في تطبيق هذا الجامع على خصوص هذا الفرد وهو الإطعام، ولكن التطبيق بما أنه باختيار المكلف وإرادته ولا يكون ملزما