مستقلا، وعدم الفرق بين الوجود الأول والثاني من هذه الناحية أصلا، وهذا ظاهر.
وبكلمة أخرى: أن حال هذه النواهي من هذه الجهة حال النواهي الحقيقية الاستقلالية، فكما أن المتفاهم عرفا من إطلاق تلك النواهي هو العموم والشمول بالإضافة إلى الأفراد العرضية والطولية ما لم تنصب قرينة على الخلاف فكذلك المتفاهم عرفا من إطلاق هذه النواهي هو العموم والشمول.
والسر في ذلك واضح، وهو: أن الأحكام المجعولة على نحو القضايا الحقيقية - لا محالة - تنحل بانحلال موضوعاتها في الخارج. ومن الواضح أنه لا فرق في ذلك بين الأحكام التحريمية والوجوبية، فكما أن الأولى تنحل بانحلال موضوعها فيما إذا لم تنصب قرينة على خلافه فكذلك الثانية.
مثلا: وجوب الحج المجعول للمستطيع في قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " (1) على نحو القضية الحقيقة - لا محالة - ينحل بانحلال أفراد المستطيع في الخارج، فيثبت لكل منها حكم مستقل. وكذا وجوب الصلاة المجعول للمكلف البالغ العاقل القادر، الداخل عليه الوقت على نحو القضية الحقيقية، فإنه - لا محالة - ينحل بانحلال أفراده. وكذا وجوب الزكاة المجعول لمن بلغ ماله حد النصاب على نحو القضية الحقيقية.... وهكذا. فلا فرق من هذه الناحية بين الأحكام التحريمية والأحكام الوجوبية أصلا، وإنما الفرق بينهما في نقطة أخرى، وهي: أن الأحكام التحريمية كما تنحل بانحلال موضوعها في الخارج فيما إذا كان لها موضوع كذلك تنحل بانحلال أفراد متعلقها فيه، فالنهي عن سب المؤمن - مثلا - كما ينحل بتعدد أفراد المؤمن في الخارج كذلك ينحل بانحلال أفراد السب، يكون كل فرد منه محرما.
نعم، قد يكون انحلال النهي بانحلال متعلقه وتعدده من ناحية تعدد موضوعه وانحلاله في الخارج، لا في نفسه، وذلك كشرب الخمر مثلا، أو شرب النجس، أو ما شاكل ذلك، فإنه يتعدد بتعدد أفراد الخمر أو النجس خارجا لا في ذاته،