الملاك بعد دخول الشهر فهي وإن كانت صحيحة إلا أنه من جهة ظهور الآية في فعلية الوجوب بعد الاستطاعة. وكذا الآية الثانية. ومن المعلوم أنه يكشف عن وجود ملاك ملزم فيه في وقته.
وأما لو رفعنا اليد عن هذا الظهور وقلنا بعدم فعلية وجوبه بعدها فلم يكن لنا طريق إلى أن ملاكه تام في ظرفه، فعندئذ كيف يمكن الحكم بوجوب مقدماته قبل زمانه؟
فالنتيجة: أن الإشكال إنما هو على ضوء نظرية القائلين باستحالة الواجب التعليقي والشرط المتأخر. وأما على ضوء نظريتنا من إمكانه بل وقوعه خارجا - كما في أمثال هذين الموردين - فلا إشكال من أصله.
وأما المقام الثاني - وهو التعلم - فقد ذكر جماعة منهم شيخنا الأستاذ (قدس سره): أن وجوب التعلم ليس بملاك وجوب بقية المقدمات المعدة التي يستلزم تركها ترك الواجب بملاكه الملزم، وتفويتها تفويته كذلك، بل وجوبه بملاك آخر، وهو لزوم دفع الضرر المحتمل (1).
وغير خفي أن ما أفاده (قدس سره) لا يتم على إطلاقه، والسبب في ذلك: هو أن ترك التعلم قبل وقت الواجب أو شرطه يقع على أنحاء:
الأول: أنه لا أثر لترك التعلم قبل الوقت، وذلك لتمكن المكلف من تعلم الواجب بجميع أجزائه وشرائطه بعد دخول وقته أو حصول شرطه كالحج مثلا، فإن باستطاعة العبد أن يتعلم أحكامه تدريجا اجتهادا أو تقليدا، من اليوم الذي يجب عليه الإحرام إلى اليوم الذي ينتهي نسكه، ومن الطبيعي أن في مثله لا يجب عليه التعلم قبل دخول الوقت، لعدم فوت شئ منه بعده. نعم، إذا جاء وقته لم يجز له تركه، حيث إن فيه احتمال مخالفة التكليف الفعلي المنجز، وهو مساوق لاحتمال العقاب، إذ لا مؤمن منه، فإن البراءة لا تجري قبل الفحص، ومعه - لا محالة - يستقل العقل بوجوبه وعدم جواز تركه.