وغير خفي أنه لا وجه لتشقيقه (قدس سره) الاختيار بالشقوق المذكورة، ضرورة أن المراد منه معلوم، وهو كونه فعل النفس ويصدر عنها بالذات، أي: بلا واسطة مقدمة أخرى كما عرفت (1). وبقية الأفعال تصدر عنها بواسطته، وهو فعل قلبي لا خارجي. ومن هنا يظهر: أنه ليس من مقولة الكيف، ولا هو عبارة عن فاعلية النفس، وعليه فبطبيعة الحال يكون قيامه بها قيام الفعل بالفاعل، لا الكيف بالمتكيف، ولا الحال بالمحل، ولا الصفة بالموصوف.
ولكنه (قدس سره) أورد على ذلك - أي: على كون قيامه بها قيام الفعل بالفاعل - بعدة وجوه:
الأول: ما إليك لفظه: (إن النفس بما هي مع قطع النظر عن قواها الباطنة والظاهرة لا فعل لها، وفاعلية النفس لموجودات عالم النفس التي مرت سابقا هو إيجادها النوري العقلاني في مرتبة القوة العاقلة، أو الوجود الفرضي في مرتبة الواهمة، أو الوجود الخيالي في مرتبة المتخيلة. كما أن استناد الإبصار والإسماع إليها أيضا بلحاظ أن هذه القوى الظاهرة من درجات تنزل النفس إليها. ومن الواضح أن الإيجاد النوري المناسب لإحدى القوى المذكورة أجنبي عن الاختيار الذي جعل أمرا آخر مما لابد منه في كل فعل اختياري، بداهة أن النفس بعد حصول الشوق الأكيد ليس لها إلا هيجان بالقبض والبسط في مرتبة القوة العضلاتية) (2).
نلخص ما أفاده (قدس سره) في عدة نقاط:
الأولى: أن النفس تتحد مع كافة قواها الباطنة والظاهرة، ولذا قد اشتهر في الألسنة أن النفس في وحدتها كل القوى عليه، فبطبيعة الحال أن الأفعال التي تصدر عن هذه القوى تصدر حقيقة منها، لفرض أنها من شؤونها ومن مراتب وجودها ومنقادة لها تمام الانقياد فلا يصدر عنها فعل إلا بأمرها.
الثانية: أنه لا فعل للنفس بالمباشرة، وإنما الفعل يصدر عنها بواسطة هذه القوى، ومن المعلوم أن شيئا من الأفعال الصادرة عنها ليس بصفة الاختيار.