إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا ويرده أولا: أن هذه الدلالة ليست دلالة لفظية، وإنما هي دلالة عقلية كدلالة وجود المعلول على وجود علته، ومن هنا لا تختص بخصوص الألفاظ، بل تعم كافة الأفعال الاختيارية.
وبكلمة أخرى: بعدما ذكرنا في بحث الحروف: أن الألفاظ لم توضع للموجودات الخارجية ولا للموجودات الذهنية (1) فلا يعقل أن تكون تلك الصورة معنى لها لتكون دلالتها عليها دلالة وضعية، بل هي من ناحية أن صدور الألفاظ عن لافظها حيث كان بالاختيار والإرادة فبطبيعة الحال تدل على تصورها في أفق النفس دلالة المعلول على علته، بقانون أن كل فعل صادر عن الإنسان بالاختيار لابد أن يكون مسبوقا بالتصور والالتفات، وإلا فلا يكون اختياريا.
وعلى هذا فكل فعل اختياري ينقسم إلى نوعين:
الأول: الفعل النفسي.
الثاني: الفعل الخارجي فلا يختص ذلك بالكلام فحسب، ولا أظن أن الأشاعرة يلتزمون بذلك.
وثانيا: أن تلك الصورة نوع من العلم، وقد عرفت أن الأشاعرة قد اعترفت بأن الكلام النفسي صفة أخرى في مقابل صفة العلم (2).
الثالث: لا ريب في أن الله تعالى متكلم، وقد دلت على ذلك عدة من الآيات.
ولازم ذلك قيام المبدأ على ذاته قياما وصفيا، لا قيام الفعل بالفاعل، وإلا لم يصح إطلاق المتكلم عليه.
ومن هنا لا يصح إطلاق النائم والقائم، والمتحرك، والساكن، والذائق، وما شاكل ذلك عليه تعالى، مع أن مبادئ هذه الأوصاف قائمة بذاته قيام الفعل بالفاعل.