لو كان مأخوذا في متعلق نفسه لزم تقدم الشئ على نفسه، وهو مستحيل، وذلك لأن القصد المزبور متأخر رتبة عن إتيان تمام أجزاء المأمور به وقيوده، حيث إن قصد الأمر إنما يكون بهما، وبما أننا فرضنا من جملة تلك الأجزاء والقيود نفس ذلك القصد الذي هو عبارة عن دعوة شخص ذاك الأمر فلابد وأن يكون المكلف في مقام امتثاله قاصدا للامتثال قبل قصد امتثاله، فيلزم تقدم الشئ على نفسه.
وإن شئت قلت: إن معنى قصد الامتثال: هو الإتيان بالمأمور به بتمام أجزائه وشرائطه الذي تعلق التكليف به كذلك بقصد امتثال أمره، فلو اخذ قصد الامتثال متعلقا للتكليف لزم تقدمه على نفسه، فإنه باعتبار أخذه في متعلق التكليف لابد أن يكون في مرتبة سابقة، وهي مرتبة الأجزاء، وباعتبار أنه لابد من الإتيان بتمام الأجزاء والشرائط بقصد الامتثال لابد أن يكون في مرتبة متأخرة عنها، وهذا معنى تقدم الشئ على نفسه (1).
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره)، واليك نصه:
(إن التقرب المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلا، لا مما اخذ في نفس العبادة شرعا، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر بشئ في متعلق ذاك مطلقا شرطا أو شطرا، فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها.
وتوهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر وإمكان الإتيان بها بهذا الداعي ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة، والتمكن من إتيانها كذلك بعد تعلق الأمر بها، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال لا حال الأمر واضح الفساد، ضرورة أنه وإن كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها، لعدم الأمر بها، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر، ولا يكاد يدعو الأمر إلا إلى ما