وغير خفي أن الإطاعة والمعصية لا تخلوان من أن تكونا عنوانين انتزاعيين من مطابقة الفعل المأتي به في الخارج للمأمور به ومخالفته له، أو تكونا أمرين متأصلين في الخارج.
فعلى الأول: فلا مناص من الالتزام بعدم كونهما اختياريين، بداهة أنهما تابعان لمنشأ انتزاعهما، وحيث فرض عدم اختياريته فبطبيعة الحال يكونان خارجين عن الاختيار، فإذا عاد المحذور.
وعلى الثاني: فيرد عليه:
أولا: أنه خلاف الوجدان والضرورة، بداهة أنا لا نعقل شيئا آخر في الخارج في مقابل الفعل الصادر عن العبد المنتزع منه تارة عنوان الإطاعة، واخرى عنوان المعصية.
وثانيا: أنا ننقل الكلام إليهما ونقول: إنهما لا يخلوان من أن يصدرا عن العبد بالاختيار، أو يصدرا قهرا وبغير اختيار.
فعلى الأول يلزمهم أن يعترفوا بعدم الجبر واختيارية الأفعال، ضرورة عدم الفرق بين فعل وآخر في ذلك، فلو أمكن صدور فعل عنه " بالاختيار " لأمكن صدور غيره أيضا كذلك، فإن الملاك فيه واحد.
وعلى الثاني يعود المحذور.
الرابع: أن الأشاعرة قد أنكرت التحسين والتقبيح العقليين، وقالوا: إن القبيح ما قبحه الشارع. والحسن ما حسنه الشارع، ومع قطع النظر عن حكمه بذلك لا يدرك العقل حسن الأشياء ولا قبحها في نفسه (1).
وقد أقاموا على هذا الأساس دعويين:
الأولى: لا يتصور صدور الظلم من الله سبحانه وتعالى، والسبب في ذلك: أن الظلم عبارة عن التصرف في ملك الغير بدون إذنه، والمفروض أن العالم بعرضه العريض من العلوي والسفلي والدنيوي والأخروي ملك لله سبحانه وتحت سلطانه