ومن هذا القبيل: ما إذا سلم شخص على أحد فرد السلام شخص ثالث فبطبيعة الحال يشك المسلم عليه في بقاء التكليف عليه - وهو وجوب رد السلام - بعد أن علم باشتغال ذمته به. ومنشأ هذا الشك: هو الشك في اشتراط هذا التكليف بعدم قيام الغير به وعدم اشتراطه. فعلى الأول يسقط بفعله دون الثاني. ومن الطبيعي أن مرد هذا الشك إلى الشك في السقوط، وهو مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة.
والسر في ذلك: ما ذكرناه في مبحث البراءة والاشتغال: من أن أدلة البراءة لا تشمل أمثال المقام، فتختص بما إذا كان الشك في أصل ثبوت التكليف. وأما إذا كان أصل ثبوته معلوما والشك إنما كان في سقوطه - كما في ما نحن فيه - فهو خارج عن موردها (1).
ومن هنا ذكرنا: أن المكلف لو شك في سقوط التكليف عن ذمته من جهة الشك في القدرة واحتمال العجز عن القيام به بعد فرض وصوله إليه وتنجزه - كما إذا شك في وجوب أداء الدين عليه بعد اشتغال ذمته به من جهة عدم إحراز تمكنه مع فرض مطالبة الدائن - فالمرجع في مثل ذلك بطبيعة الحال هو أصالة الاشتغال، ووجوب الفحص عليه عن قدرته وتمكنه، ولا يمكنه التمسك بأصالة البراءة (2).
هذا بناء على نظريتنا من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وأما بناء على جريانه فيها فلا تصل النوبة إلى أصالة الاشتغال، بل المرجع هو استصحاب بقاء التكليف وعدم سقوطه في أمثال المقام، وإن كانت النتيجة تلك النتيجة فلا فرق بينهما بحسبها.
نعم، بناء على جريان الاستصحاب فعدم جريان البراءة في المقام أوضح كما لا يخفى.
الثانية: ما إذا شك في سقوط واجب عن ذمة المكلف فيما لو صدر منه بغير اختيار وإرادة فهل مقتضى الإطلاق عدم السقوط إذا كان، أو لا؟ وجهان: