والصحيح أن يقال: إن ما أفاده (قدس سره): من أن تارك التعلم محكوم بالفسق يقوم على أساس أن التجري كاشف عن عدم وجود العدالة فيه، حيث إنها على مسلكه (قدس سره): عبارة عن وجود ملكة نفسانية تبعث صاحبها على ملازمة التقوى، يعني: الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، ومن الطبيعي أنها لا تجتمع مع التجري، وهو الإتيان بما يعتقد كونه مبغوضا وترك ما يعتقد كونه واجبا، وهذا لا ينافي عدم استحقاقه العقاب، فإن ملاك الاستحقاق عنده ارتكاب المبغوض الواقعي، أو ترك الواجب كذلك، وهو غير موجود في التجري.
فالنتيجة: أن المتجري فاسق وإن لم يستحق العقاب، فلا ملازمة بين الأمرين، فما جاء به شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) في غاية المتانة والصحة.
الرابعة: أن المقدمة التي يبحث عن وجوبها في المسألة لا يفرق فيها بين أن تكون مقدمة لواجب مشروط، أو مطلق. والسبب في ذلك: هو أنه بناء على الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته لا يفرق الحال بين المطلق والمشروط، غاية الأمر إذا كان الواجب مشروطا فوجوب مقدمته كذلك، فإنه في الإطلاق والاشتراط تابع لوجوب ذيها، بداهة أن التفكيك بينهما في الإطلاق والاشتراط ينافي ما افترضناه من الملازمة بين وجوبيهما.
ومن هنا يظهر: أنه لا وجه لما أفاده صاحب المعالم (قدس سره) من تخصيص محل النزاع بمقدمات الواجب المطلق (1)، وكذا غيره.
ولعل مرادهم من الواجب المطلق: هو الواجب بالوجوب الفعلي، ومما يدلنا على ذلك أنه لم يكن في الشريعة المقدسة واجب مطلق من جميع الجهات، بل الواجبات بشتى أنواعها وأشكالها واجبات مشروطة، ولا أقل بالشرائط العامة، غاية الأمر بعضها مشروط بالإضافة إلى شئ، ومطلق بالإضافة إلى آخر، وبعضها الآخر بالعكس. مثلا: وجوب الحج مشروط بالإضافة إلى الاستطاعة، ومطلق بالإضافة إلى الزوال، ووجوب الصلاة - مثلا - مطلق بالإضافة إلى الاستطاعة،