وأشكالها مستورة عنا ولا طريق لنا إليها، لأن أفكارنا لا تملك قوة إدراكها والوصول إلى واقعها ومغزاها.
وثانيا: أن هذا العلم لا يكون ملاكا لاتصاف الفعل بالاختيار كما عرفت (1).
وإن أراد منه العلم بما يوجب تمييز الأفعال بعضها عن بعضها الآخر كأن يعلم بأن ما يفعله خارجا ويأتي به شرب ماء - مثلا - لا شرب خل... وهكذا وإن لم يعلم كنهه وحقيقته فهو صحيح كما مر (2)، إلا أن اللازم على هذا ليس بباطل، لفرض أن كل فاعل مختار يعلم أفعاله في إطار عناوينها الخاصة.
وإن أراد منه العلم بحدها التام المشهوري أو برسمها التام أو الناقص فيرد عليه:
أولا: أن ذلك العلم لا يتيسر لأغلب الناس، بداهة أن العامي لا يعرف جنس الأشياء ولا فصلها ولا خواصها حتى يعرف حدها التام أو الناقص، أو رسمها التام أو الناقص.
وثانيا: قد سبق أن هذا العلم لا يكون مناطا لصدور الفعل بالاختيار.
ومن هنا يظهر: أن ما ذكره لبيان بطلان اللازم من أن النائم وكذا الساهي قد يفعله باختياره غريب جدا، بداهة أن ما يصدر عنهما من الحركة: كالتقلب من جنب إلى جنب آخر أو نحو ذلك غير اختياري، ولذا لا يستحقان عليه المدح والذم والثواب والعقاب.
وقد تقدم (3) أن الالتفات إلى الفعل على نحو الإجمال ركيزة أساسية لاختياريته، وبدونه لا يعقل صدوره بالاختيار.
الثاني: ما إليكم نصه: (إن العبد لو كان موجدا لفعله بقدرته واختياره استقلالا فلابد أن يتمكن من فعله وتركه، وإلا لم يكن قادرا عليه مستقلا فيه، وأن يتوقف ترجيح فعله على تركه على مرجح، إذ لو لم يتوقف عليه كان صدور الفعل عنه مع جواز طرفيه وتساويهما اتفاقيا، لا اختياريا، ويلزم أيضا أن لا يحتاج وقوع أحد