ولكن تندفع تلك الوجوه بأجمعها ببيان نكتة واحدة. وتفصيل ذلك قد تقدم في صدر المبحث: أن الواجب على قسمين: تعبدي وهو ما يعتبر فيه قصد القربة فلا يصح بدونه. وتوصلي وهو ما لا يعتبر فيه قصد القربة فيصح بدونه (1). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: يمكن تصوير الواجب التعبدي على أنحاء:
الأول: أن يكون تعبديا بكافة أجزائه وشرائطه.
الثاني: أن يكون تعبديا بأجزائه مع بعض شرائطه.
الثالث: أن يكون تعبديا ببعض أجزائه دون بعضها الآخر.
أما النحو الأول: فالظاهر أنه لا مصداق له خارجا، ولا يتعدى عن مرحلة التصور إلى الواقع الموضوعي.
وأما النحو الثاني: فهو واقع كثيرا في الخارج، حيث إن أغلب العبادات الواقعة في الشريعة المقدسة الإسلامية من هذا النحو، منها: الصلاة مثلا، فإن أجزاءها بأجمعها أجزاء عبادية. وأما شرائطها فجملة كثيرة منها: غير عبادية، وذلك كطهارة البدن والثياب واستقبال القبلة وما شاكل ذلك، فإنها رغم كونها شرائط للصلاة تكون توصلية وتسقط عن المكلف بدون قصد التقرب.
نعم، الطهارات الثلاث خاصة تعبدية فلا تصح بدونه.
وأضف إلى ذلك: أن تقييد الصلاة بتلك القيود أيضا لا يكون عباديا، فلو صلى المكلف غافلا عن طهارة ثوبه أو بدنه ثم انكشف كونه طاهرا صحت صلاته، مع أن المكلف غير قاصد للتقيد فضلا عن قصد التقرب به، فلو كان أمرا عباديا لوقع فاسدا، لانتفاء القربة به، بل الأمر في التقيد بالطهارات الثلاث أيضا كذلك. ومن هنا لو صلى غافلا عن الطهارة الحدثية ثم بان أنه كان واجدا لها صحت صلاته، مع أنه غير قاصد لتقيدها بها فضلا عن إتيانه بقصد القربة، هذا ظاهر.