عنها، وليس حاله من هذه الناحية حال سائر الأفعال الاختيارية (1).
وثانيا: ما عرفت بشكل واضح من أن الفعل لا يفتقر في وجوده إلى وجود علة تامة له، بل هو يحتاج إلى وجود فاعل (2)، والمفروض أن النفس فاعل له، فإذا لا معنى لما أفاده (قدس سره): من أن الفعل ممكن وكل ممكن يحتاج إلى علة تامة.
وإن أصررت على ذلك وأبيت إلا أن يكون للشئ علة تامة ويستحيل وجوده بدونها فنقول: إن العلة التامة للفعل إنما هي إعمال القدرة والسلطنة بتحريك القوة العضلاتية نحوه، ومن الطبيعي أن الفعل يتحقق بها ويجب وجوده، ولكن بما أن وجوب وجوده مستند إلى الاختيار ومعلول له فلا ينافي الاختيار.
فالنتيجة: هي أن الممكن وإن كان بكافة أنواعه وأشكاله يفتقر من صميم ذاته إلى علة تامة له إلا أن العلة التامة في الأفعال الاختيارية حيث إنها الاختيار وإعمال القدرة فبطبيعة الحال تكون ضرورتها من الضرورة بشرط الاختيار. ومن الواضح أن مثل هذه الضرورة يؤكد الاختيار.
الرابع: ما إليكم لفظه: (إن الفعل المسمى بالاختيار إن كان ملاكا لاختيارية الأفعال وان ترتب الفعل على صفة الإرادة مانع عن استناد الفعل إلى الفاعل لكان الأمر في الواجب تعالى كذلك، فإن الملاك عدم صدورها عن اختياره، لا انتهاء الصفة إلى غيره، مع أن هذا الفعل المسمى بالاختيار يستحيل أن يكون عين ذات الواجب، فإن الفعل يستحيل أن يكون عين فاعله فلا محالة يكون قائما بذاته قيام الفعل بالفاعل صدورا، فإن كان قديما بقدمه كان حال هذا القائل حال الأشعري القائل بالصفات القديمة القائمة بذاته الزائدة عليها. وإن كان حادثا كان محله الواجب فكان الواجب محلا للحوادث، فيكون حاله حال الكرامية القائلين بحدوث الصفات، ويستحيل حدوثه وعدم قيامه بمحل، فإن سنخ الاختيار ليس كسنخ الأفعال الصادرة عن اختيار من الجواهر والأعراض حتى يكون موجودا قائما بنفسه أو قائما بموجود آخر، بل الاختيار يقوم بالمختار، لا بالفعل