أنه خالف التكليف الفعلي ليقال: إنه غير فعلي، بل من ناحية أنه فوت الملاك الملزم. وقد تقدم أن العقل لا يفرق بينهما في استحقاق العقاب (1)، فإذا يدخل المقام تحت قاعدة " الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ".
وعلى الثاني فلا يحكم العقل بوجوب الإتيان بها، بل لا مانع من تفويتها إذا كانت حاصلة، لفرض أن ملاك الواجب غير تام، ومعه لا مقتضى للوجوب أصلا.
وإن شئت قلت: إن ترك هذه المقدمات وإن استلزم ترك الواجب في موطنه إلا أنه لا قبح فيه، وذلك لأن القبيح أحد أمرين: إما مخالفة التكليف الفعلي والمفروض عدمه، أو تفويت الغرض الملزم والفرض خلافه، فإذا ما هو الموجب لقبحه؟
فالنتيجة: أن القدرة المأخوذة في الواجب - وهو الحج - من قبل مقدماته قدرة خاصة، وهي القدرة بعد حصول هذا الشرط - وهو الاستطاعة - اتفاقا، ولذا لا يجب على المكلف تحصيله، بل يجوز له تفويته بالمنع من تحققه فيما إذا وجد المقتضي له، كما إذا أراد شخص أن يهب مالا لآخر ليستطيع به فللآخر أن لا يقبل، أو أراد أن يبذل له مبلغا يكفيه لحجه فالتمس منه أن لا يبذل له ذلك... وهكذا، وعلى هذا الضوء فلا إشكال في وجوب الإتيان بمقدمات الحج بعد الاستطاعة وقبل الموسم.
وأما القسم الثالث - وهو ما أخذت فيه حصة خاصة من القدرة وهي القدرة في وقت الواجب - فلا يجب على المكلف تحصيل القدرة عليه من قبل مقدماته قبل دخول وقته، بل يجوز له تفويتها إذا كانت موجودة، وذلك لأن الواجب لا يكون ذا ملاك ملزم إلا بعد القدرة عليه في زمنه. وأما القدرة عليه قبله فوجودها وعدمها بالإضافة إليه سيان، وذلك كالصلاة مع الطهارة المائية، حيث إن القدرة المعتبرة فيها قدرة خاصة، وهي القدرة عليها بعد دخول وقتها، وأما قبله فلا يجب على المكلف تحصيلها، بل ولا حفظها إذا كان واجدا لها، لفرض عدم دخلها في ملاكها قبل الوقت أصلا، فإن تمكن منها بعده وجب عليه تحصيلها، وإلا فلا، بداهة