غاية الصحة والمتانة إلا أنه لا صلة له بما ذكرناه، والسبب في ذلك: أن لكل لفظ حيثيتين موضوعيتين:
الأولى: حيثية صدوره من اللافظ خارجا وقيامه به، كصدور غيره من الأفعال كذلك.
الثانية: حيثية تحققه ووجوده في الخارج، فاللفظ من الحيثية الأولى وإن كان قابلا للتصريف والاشتقاق إلا أن لفظ " الأمر " لم يوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحيثية، وإلا لم يكن مجال لتوهم عدم إمكان الاشتقاق والصرف منه، بل هو موضوع بإزائه من الحيثية الثانية، ومن الطبيعي أنه بهذه الحيثية غير قابل لذلك كما عرفت (1). فما أفاده (قدس سره) مبني على الخلط بين هاتين الحيثيتين.
الجهة الثانية: هل أن العلو معتبر في معنى الأمر أم لا؟ الظاهر اعتباره، إذ لا يصدق الأمر عرفا على الطلب الصادر من غير العالي وإن كان بنحو الاستعلاء وإظهار العلو.
وعلى الجملة: فصدوره من العالي منشأ لانتزاع عنوان الأمر والبعث والتحريك والتكليف وما شاكل ذلك، دون صدوره عن غيره، بل ربما يوجب توبيخه باستعماله الأمر.
ويدلنا على ذلك - مضافا إلى مطابقة هذا للوجدان - صحة سلب الأمر عن الطلب الصادر من غير العالي، بل يستحق التوبيخ عليه بقوله: أتأمر الأمير؟ مثلا.
ومن المعلوم أن التوبيخ لا يكون على أمره بعد استعلائه، وإنما يكون على استعلائه واستعماله الأمر.
الجهة الثالثة: لا إشكال في تبادر الوجوب عرفا من لفظ " الأمر " عند الإطلاق، وإنما الإشكال والكلام في منشأ هذا التبادر هل هو وضعه للدلالة عليه، أو الإطلاق ومقدمات الحكمة، أو حكم العقل به؟ وجوه، بل أقوال:
المعروف والمشهور بين الأصحاب قديما وحديثا: هو القول الأول (2).