القرينة مأمون من العقاب، وينتزع العقل من ذلك الندب، كما ينتزع في الصورة الأولى الوجوب.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، وهي: أن الحاكم بالوجوب إنما هو العقل دون الصيغة، لا وضعا ولا إطلاقا. هذا من ناحية:
ومن ناحية أخرى: أنه لا فرق بينه وبين الندب في مقام الإثبات إلا في الترخيص في الترك وعدمه. نعم، فرق بينهما في مقام الثبوت والواقع على أساس نظرية تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها.
ومن ناحية ثالثة: أنه لا بأس بتفسير الأمر بالوجوب بمعنى الثبوت باعتبار دلالته على ثبوت الفعل على ذمة المكلف، بل هو معناه لغة وعرفا، غاية الأمر الثبوت مرة تكويني خارجي، ومرة أخرى ثبوت تشريعي، فصيغة الأمر أو ما شاكلها موضوعة للدلالة على الثبوت التشريعي وإبرازه.
الجهة الثالثة: وهي الجمل الفعلية التي استعملت في مقام الإنشاء دون الإخبار، ككلمة " أعاد " و " يعيد " أو ما شاكلها فهل لها دلالة على الوجوب أم لا؟
وليعلم: أن استعمال الجمل المضارعية في مقام الإنشاء كثير في الروايات، وأما استعمال الجمل الماضوية في مقام الإنشاء فلم نجد إلا فيما إذا وقعت جزاء لشرط، كقوله (عليه السلام): " من تكلم في صلاته أعاد " (1) ونحوه.
وكيف كان، فإذا استعملت الجمل الفعلية في مقام الإنشاء فهل تدل على الوجوب أم لا؟ وجهان:
ذهب المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) إلى الأول، وقد أفاد في وجه ذلك ما إليك لفظه: (الظاهر الأول (الوجوب)، بل يكون أظهر من الصيغة، ولكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام - أي: الطلب - مستعملة في غير معناها، بل تكون مستعملة فيه، إلا أنه ليس بداعي الإعلام، بل بداعي البعث بنحو