وأما على القول الثالث - كما هو المختار - فلأن مرجع الشك في التعيين والتخيير فيه إلى الشك في متعلق التكليف من حيث السعة والضيق، يعني: أن متعلقه هو الجامع أو خصوص ما تعلق به الأمر، كما إذا ورد الأمر - مثلا - بإطعام ستين مسكينا وشككنا في أن وجوبه تعييني أو تخييري، يعني: أن الواجب هو خصوص الإطعام أو الجامع بينه وبين صيام شهرين متتابعين، ففي مثل ذلك لا مانع من الأخذ بإطلاقه لإثبات كون الواجب تعيينيا لا تخييريا، لأن بيانه يحتاج إلى مؤنة زائدة، وهي ذكر العدل بالعطف بكلمة " أو "، وحيث لم يكن فيكشف عن عدمه في الواقع، ضرورة أن الإطلاق في مقام الإثبات يكشف عن الإطلاق في مقام الثبوت.
أو فقل: إن الواجب لو كان تخييريا فبقاء وجوبه مقيد بعدم الإتيان بفرد ما من أفراده في الخارج، ومن المعلوم أن مقتضى الإطلاق عدم هذا التقييد، وأن الواجب هو الفعل الخاص.
ويمكن أن يقرر هذا بوجه آخر، وهو: أن الأمر المتعلق بشئ خاص كالإطعام - مثلا - فالظاهر هو أن للعنوان المذكور المتعلق به الأمر دخلا في الحكم، فلو كان الواجب هو الجامع بينه وبين غيره ولم يكن للعنوان المزبور أي دخل فيه فعليه البيان، وحيث لم يقم بيان عليه فمقتضى الإطلاق هو وجوبه الخاص، دون الجامع بينه وبين غيره، وهذا هو معنى أن الإطلاق يقتضي التعيين.
وأما المقام الثاني: فالكلام فيه يقع في مبحث البراءة والاشتغال (1) إن شاء الله تعالى، فلا حاجة إليه هنا.
وأما المسألة الثالثة - وهي ما إذا دار الأمر بين الواجب الكفائي والعيني - فيقع الكلام فيها أيضا: تارة في مقتضى الأصل اللفظي. وتارة أخرى في مقتضى الأصل العملي.