وعلى الجملة: فلا يترتب أي أثر على استصحاب عدم وجوبها بعد لا بدية الإتيان بها على كل تقدير، ومعه لا معنى لجريانه.
نعم، لا مانع من الرجوع إلى الأصل من ناحية أخرى، وهي: ما ذكرناه سابقا من الثمرة فيما إذا كانت المقدمة محرمة وقد توقف عليها واجب أهم فعندئذ لابد من ملاحظة دليل حرمة المقدمة، فإن كان لدليلها إطلاق أو عموم لزم التمسك به في غير مقدار الضرورة، وهو خصوص المقدمة الموصلة (1).
وإن شئت قلت: إن القدر المتيقن هو رفع اليد عن تحريم خصوص تلك المقدمة، وأما غيرها فإن كان إطلاق في البين فلا مناص من التمسك به لإثبات حرمتها، لعدم ضرورة تقتضي رفع اليد عنها، وإن لم يكن إطلاق فالمرجع هو أصل البراءة عن حرمة المقدمة غير الموصلة، للشك فيها وعدم دليل عليها.
فالنتيجة: هي سقوط الحرمة عن المقدمة مطلقا، سواء أكانت موصلة أم لم تكن أما عن الأولى فمن ناحية المزاحمة. وأما عن الثانية فمن ناحية أصالة البراءة. هذا على القول بوجوب مطلق المقدمة.
وأما على القول بوجوب خصوص الموصلة أو خصوص ما قصد به التوصل فالساقط إنما هو الحرمة عنه فحسب، دون غيره كما سبق.
وأما المقام الثاني: فقد استدل على وجوب المقدمة بأدلة ثلاث:
الأول: ما عن الأشاعرة، وملخصه: أن المولى إذا أوجب شيئا فلابد له من إيجاب جميع مقدمات ذلك الشئ، وإلا - أي: وإن لم يوجب تلك المقدمات - فجاز تركها، وهذا يستلزم أحد محذورين: إما أن يبقى وجوب ذي المقدمة بحاله وهو محال، لأنه تكليف بما لا يطاق. أو لا يبقى وجوبه بحاله، بل يصير مشروطا بحصول مقدمته، فيلزم عندئذ انقلاب الواجب المطلق إلى المشروط (2).