وبدونها لا دلالة لها على ذلك. ومن الطبيعي أن ذلك علامة كونها موضوعة بإزاء المعنى الأول، دون غيره من المعاني.
الجهة الثانية: لا ينبغي الشك في أن الأوامر الصادرة من الموالي منها أوامر الكتاب والسنة على نحوين:
أحدهما: ما يراد منها اللزوم والحتم على نحو يمنع العبد عن مخالفتها.
وثانيهما: ما يراد منها البعث المقرون بالترخيص على نحو يجوز مخالفتها وعدم مانع عنها، ويسمى الأول بالوجوب، والثاني بالندب.
وعلى هذا، فإن قامت قرينة حالية أو كلامية على تعيين أحدهما لزم اتباعها، وإن لم تقم قرينة على ذلك فهل الصيغة بنفسها ظاهرة في المعنى الأول بحيث تحتاج إرادة المعنى الثاني منها إلى قرينة تدل عليها، أو ظاهرة في المعنى الثاني وتحتاج إرادة المعنى الأول إلى قرينة، أو في الجامع بينهما وتحتاج إرادة كل منهما إلى قرينة، أو فيهما على نحو الاشتراك اللفظي؟ وجوه وأقوال:
قد اختار المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) القول الأول بدعوى: أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب ومجاز في غيره. واستدل على ذلك بأن المتبادر منها عرفا عند إطلاقها وتجردها عن القرينة المقالية والحالية هو الوجوب، ومن الطبيعي أن التبادر المستند إلى نفس اللفظ علامة الحقيقة، فلو كانت حقيقة في الندب أو مشتركة لفظية أو معنوية لم يتبادر الوجوب منها.
ثم أيد ذلك بقيام السيرة العقلائية على ذم الموالي عبيدهم عند مخالفتهم لامتثال أوامرهم، وعدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب، مع الاعتراف بعدم دلالتها عليه بحال أو مقال.
ثم أورد على نفسه بكثرة استعمال الصيغة في الندب، وهي مانعة عن ظهورها في الوجوب وتبادره منها، لوضوح أنها لو لم تكن موجبة لظهورها فيه فلا شبهة في أنها مانعة عن انفهام الوجوب منها، فإذا لا يمكن حملها عليه عند إطلاقها مجردة عن القرينة.