وثانيتهما: نسبته إلى الله تعالى باعتبار أنه معطي الحياة والقدرة له في كل آن وبصورة مستمرة حتى في آن اشتغاله بالعمل. وتلك النتيجة هي المطابقة للواقع الموضوعي والمنطق العقلي، ولا مناص عنها. ومردها إلى أن مشيئة العبد تتفرع على مشيئة الله سبحانه وتعالى، وإعمال سلطنته. وقد أشار إلى هذه الناحية في عدة من الآيات الكريمة:
منها: قوله تعالى: * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * (1) حيث قد أثبت - عز وجل - أنه لا مشيئة للعباد إلا بمشيئة الله تعالى، ومدلول ذلك - كما مضى في ضمن البحوث السابقة - أن مشيئة الله تعالى لم تتعلق بأفعال العباد، وإنما تتعلق بمبادئها: كالحياة والقدرة وما شاكلهما، وبطبيعة الحال أن المشيئة للعبد إنما تتصور في فرض وجود تلك المبادئ بمشيئة الله سبحانه. وأما في فرض عدمها بعدم مشيئة الباري - عز وجل - فلا تتصور، لأنها لا يمكن أن توجد بدون وجود ما تتفرع عليه. فالآية الكريمة تشير إلى هذا المعنى.
ومنها: قوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * (2)، حيث قد عرفت أن العبد لا يكون فاعلا لفعل إلا أن يشاء الله تعالى حياته وقدرته ونحوهما مما يتوقف عليه فعله خارجا، وبدون ذلك لا يعقل كونه فاعلا له، وعليه فمن الطبيعي أن فعله في الغد يتوقف على تعلق مشيئة الله تعالى بحياته وقدرته فيه، وإلا استحال صدوره منه، فالآية تشير إلى هذا المعنى.
ويحتمل أن يكون المراد من الآية معنى آخر، وهو: أنكم لا تقولون لشئ سنفعل كذا وكذا غدا إلا أن يشاء الله خلافه فتكون جملة " إلا أن يشاء الله " مقولة القول، ويعبر عن هذا المعنى في اللغة الفارسية (أگر خدا بگذارد)، ومرجع هذا المعنى إلى استقلال العبد وتفويضه في فعله إذا لم يشأ الله خلافه، ولذا منعت الآية المباركة عن ذلك بقوله: " ولا تقولن لشئ... الخ "، ولعل هذا المعنى أظهر من