الوجوب واشتراطه، لا الواجب.
وبكلمة أخرى: أن الكلام في المقام إنما هو في إطلاق الحكم واشتراطه، سواء أكان الحكم تكليفيا أم وضعيا، وليس الكلام في إطلاق الواجب واشتراطه.
ثم إن الإطلاق والتقييد أمران إضافيان، فيمكن أن يكون شئ واحد بالإضافة إلى شئ مطلقا وبالإضافة إلى آخر مقيدا، وذلك كوجوب الصلاة - مثلا - حيث إنه مطلق بالإضافة إلى الطهارة ومقيد بالإضافة إلى الزوال...، وهكذا، ووجوب الحج فإنه مطلق بالإضافة إلى الزوال ومقيد بالإضافة إلى الاستطاعة، ومن الطبيعي أن هذا دليل ظاهر على أن الإطلاق والتقييد أمران إضافيان.
بقي الكلام في النزاع المعروف الواقع بين شيخنا الأنصاري (قدس سره) وغيره من الأعلام، وهو: أن القيود المأخوذة في لسان الأدلة هل ترجع إلى مفاد الهيئة، أو إلى نفس المادة؟ فنسب صاحب التقرير إلى الشيخ (قدس سره) رجوعها إلى المادة دون مفاد الهيئة وإن كان ظاهر القضية الشرطية بحسب المتفاهم العرفي هو رجوعها إلى مفاد الهيئة (1)، ضرورة أن المتفاهم عرفا من مثل قولنا: " إن جاءك زيد فأكرمه " هو ترتب وجوب الإكرام على مجيئه وأنه قيد له دون الواجب، وكذا المتفاهم من مثل قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (2).
ومن هنا اعترف الشيخ (قدس سره) بهذا الظهور، وقال: إن مقتضى القواعد العربية وإن كان ذلك إلا أنه ادعى استحالة رجوع القيد إلى مفاد الهيئة من ناحية، وادعى لزوم رجوعه إلى نفس المادة لبا من ناحية أخرى، فهنا نقطتان من البحث:
الأولى: في دعوى استحالة رجوع القيد إلى مفاد الهيئة.
الثانية: في دعوى لزوم رجوعه إلى المادة لبا.
أما النقطة الأولى: فالبحث فيها يعود إلى دعاوى ثلاث:
الأولى: ما نسب إلى الشيخ (قدس سره) في تقريره (3) كما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره)،