ومن ناحية أخرى: حيث إنهم لم يجدوا في الصفات النفسانية صفة تصلح لأن تكون علة للفعل غير الإرادة فلذلك التزموا بترتب الفعل عليها ترتب المعلول على العلة التامة.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أن كل ممكن ما لم يجب وجوده من قبل وجود علته يستحيل تحققه ووجوده في الخارج.
ومن هنا يقولون: إن كل ممكن محفوف بوجوبين (1): " وجوب سابق " وهو الوجوب في مرتبة وجود علته، و " وجوب لاحق " وهو الوجوب بشرط وجوده خارجا.
ولنبحث هنا عن أمرين:
الأول: عن الفرق الأساسي بين المعاليل الطبيعية والأفعال الاختيارية.
الثاني: عدم جريان القاعدة المذكورة في الأفعال الاختيارية.
أما الأمر الأول: فقد سبق بشكل إجمالي أن الأفعال الإرادية تمتاز عن المعاليل الطبيعية بنقطة واحدة، وهي: أنها تحتاج في وجودها إلى فاعل (2)، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: * (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون) * (3)، فأثبت " عز من قائل " بذلك احتياج الفعل إلى فاعل وخالق، وبدونه محال، والفاعل لهذه الأفعال هو نفس الإنسان، فإنها تصدر عنها بالاختيار وإعمال القدرة والسلطنة، وليس في إطارها حتم ووجوب، فلها أن تشاء وتعمل، ولها أن لا تشاء ولا تعمل، فهذه المشيئة والسلطنة لا تتوقف على شئ آخر كالإرادة ونحوها، بل هي كامنة في صميم ذات النفس، حيث إن الله تعالى خلق النفس كذلك. وهذا بخلاف المعاليل الطبيعية فإنها تحتاج في وجودها إلى علل طبيعية تعاصرها وتؤثر فيها على ضوء مبدأ السنخية في إطار الحتم والوجوب، ولا يعقل فيها الاختيار.
وإن شئت فقل: إن الفعل الاختياري حيث كان يخضع لاختيار الإنسان