الأول: فساد توهم كون الطلب منشأ بالصيغة أو ما شاكلها.
الثاني: أن الأشاعرة قد أخطأوا هنا في نقطة وأصابوا في نقطة أخرى.
أما النقطة الخاطئة: فهي أنهم جعلوا الطلب من الصفات النفسانية، وقد عرفت خطأ ذلك.
وأما النقطة الثانية: فهي أنهم جعلوا الطلب مغايرا للإرادة ذاتا وعينا، وقد سبق صحة ذلك.
وأما الثالث: فنفس اختلاف كلماتهم في تفسيره - يعني: مرة بالطلب، واخرى بالخبر، وثالثة بالأمر، ورابعة بصيغة الأمر - شاهد صدق على أنهم أيضا لم يتصوروا له معنى محصلا، إلا أن يقال: إن ذلك منهم مجرد اختلاف في التعبير واللفظ والمقصود واحد، ولكن ننقل الكلام إلى ذلك المقصود الواحد، وقد عرفت أنه لا واقع موضوعي له أصلا، ولا يخرج عن حد الفرض والخيال.
وأما الرابع: فقد ظهر جوابه مما ذكرناه بصورة مفصلة: من أنه ليس في الجمل الخبرية والإنشائية شئ يصلح أن يكون كلاما نفسيا (1).
وقد استدل على الكلام النفسي بعدة وجوه أخر:
الأول: أن الله تعالى قد وصف نفسه بالتكلم في الكتاب الكريم بقوله: * (وكلم الله موسى تكليما) * (2). ومن المعلوم أن التكلم صفة له: كالعلم والقدرة والحياة وما شاكلها. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن صفاته تعالى قديمة قائمة بذاته ولا يمكن أن تكون حادثة، لاستحالة قيام الحادث بذاته تعالى كقيام الحال بالمحل، والصفة بالموصوف. نعم، يجوز قيام الحادث بها كقيام الفعل بالفاعل.
ومن ناحية ثالثة: أن الكلام اللفظي حيث إنه مؤلف من حروف وأجزاء متدرجة متصرمة في الوجود لا يعقل أن يكون قديما، وعليه فلا يمكن أن يكون