واختار جماعة القول الثاني (1)، ولكن الصحيح هو الثالث. فلنا دعويان:
الأولى: بطلان القول الأول والثاني.
الثانية: صحة القول الثالث.
أما الدعوى الأولى: فإنها تبتنى على ركيزتين:
إحداهما: ما حققناه في بحث الوضع: من أنه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني (2).
وثانيتهما: ما حققناه في بحث الإنشاء: من أنه عبارة عن اعتبار الأمر النفساني وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله (3).
وعلى ضوء هاتين الركيزتين يظهر: أن مادة الأمر وضعت للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، فلا تدل على الوجوب، لا وضعا ولا إطلاقا.
أما الأول: فظاهر. وأما الثاني: فإنه يرتكز على كونها موضوعة للجامع بين الوجوب والندب، ليكون إطلاقها معينا للوجوب دون الندب، باعتبار أن بيان الندب يحتاج إلى مؤنة زائدة والإطلاق غير واف به. ولكن قد عرفت أنها كما لم توضع لخصوص الوجوب أو الندب كذلك لم توضع للجامع بينهما، بل وضعت لما ذكرناه.
هذا، مضافا إلى عدم الفرق بين الوجوب والندب من هذه الناحية، وإذن فلا يكون الإطلاق معينا للأول دون الثاني، فحاله حال الوجوب من هذه الناحية من دون فرق بينهما أصلا.
وأما الدعوى الثانية: فلأن العقل يدرك - بمقتضى قضية العبودية والرقية - لزوم الخروج عن عهدة ما أمر به المولى ما لم ينصب قرينة على الترخيص في تركه، فلو أمر بشئ ولم ينصب قرينة على جواز تركه فهو يحكم بوجوب إتيانه