والوجه فيه ما تقدم بشكل مفصل: من أن إرادته تعالى ليست من الصفات العليا الذاتية. بل هي من الصفات الفعلية التي هي عبارة عن المشيئة وإعمال القدرة (1) وعليه فبطبيعة الحال لا يمكن تعلق إرادته تعالى بها لسببين:
الأول: أن الأفعال القبيحة: كالظلم والكفر وما شاكلهما التي قد تصدر من العباد لا يمكن صدورها منه تعالى بإعمال قدرته وإرادته، كيف؟ حيث إن صدورها لا ينبغي من العباد فما ظنك بالحكيم تعالى؟
الثاني: أن الإرادة بمعنى إعمال القدرة والسلطنة يستحيل أن تتعلق بفعل الغير، بداهة أنها لا تعقل إلا في الأفعال التي تصدر من الفاعل بالمباشرة، وحيث إن أفعال العباد تصدر منهم كذلك فلا يعقل كونها متعلقة لإرادته تعالى وإعمال قدرته. نعم، تكون مبادئ هذه الأفعال: كالحياة والعلم والقدرة وما شاكلها تحت إرادته سبحانه ومشيئته.
نعم، لو شاء سبحانه وتعالى عدم صدور بعض الأفعال من العبيد فيبدي المانع عنه أو يرفع المقتضي له. ولكن هذا غير تعلق مشيئته بأفعالهم مباشرة ومن دون واسطة.
الوجه الثالث: أن الله تعالى عالم بأفعال العباد بكافة خصوصياتها: من كمها وكيفها ومتاها وأينها ووضعها ونحو ذلك. ومن الطبيعي أنه لابد من وقوعها منهم كذلك في الخارج، وإلا لكان علمه تعالى جهلا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وعليه فلابد من الالتزام بوقوعها خارجا على وفق إطار علمه سبحانه، ولا يمكن تخلفه عنه، فلو كانوا مختارين في أفعالهم فلا محالة وقع التخلف في غير مورد وهو محال.
وقد صرح بذلك صدر المتألهين بقوله: (ومما يدل على ما ذكرناه من أنه ليس من شرط كون الذات مريدا وقادرا: إمكان أن لا يفعل، حيث إن الله تعالى إذا علم أنه يفعل الفعل الفلاني في الوقت الفلاني فذلك الفعل لو لم يقع لكان علمه