فبطبيعة الحال أوجب انقلاب الواقع.
وأما إذا لم يوجب حدوث مصلحة فيه - كما هو المفروض في المقام - فاستحال أن يكون موجبا لانقلاب الواقع. وأما إيجابه حدوث مصلحة في السلوك فهو غير مناف لمصلحة الواقع أصلا، وهذه المصلحة تختلف باختلاف السلوك، كما أوضحناه في مبحث الظن (1).
وعلى ضوء هذا البيان تظهر نقطة الامتياز بين السببية بهذا المعنى والسببية بالمعنيين الأولين كما لا يخفى.
وبعد ذلك نقول: أما على ضوء السببية بالمعنى الأول فلا مناص من القول بالإجزاء، حيث لا واقع على الفرض ما عدا مؤدى الأمارة لنبحث عن أن الإتيان به مجز عنه أولا، فلو تبدل رأي المجتهد إلى رأي آخر على خلاف الأول كان من تبدل الموضوع، لا من انكشاف الخلاف، فالإتيان بما أدى إليه رأيه إتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي، لا أنه إتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري ليقع البحث عن إجزائه عن الأول. إلا أن السببية بذلك المعنى غير معقولة في نفسها، بداهة أن تصورها في نفسه كاف للتصديق ببطلانها، بلا حاجة إلى إقامة برهان عليه من لزوم دور أو نحوه.
كيف؟ حيث إن هذا المعنى من السببية خلاف الضرورة من الشرع، ويكذبه الكتاب والسنة، إذ لازمه بطلان بعث الرسل وإنزال الكتب على أنه لو لم يكن حكم مجعول في الواقع قبل قيام الأمارة عليه فالأمارة تحكي عن أي شئ؟
وأنها تؤدي إلى أي حكم؟ وهل يعقل الكشف من دون مكشوف والحكاية من دون محكي؟ فلو توقف ثبوته على قيام الأمارة عليه لزم الدور أو الخلف.
وأضف إلى ذلك: أن اختصاص الأحكام الشرعية بمن قامت عنده الأمارة خلاف الضرورة والمتسالم عليه بين الأصحاب، وتكذبه الإطلاقات الأولية،