الثاني: أنها تمتاز عن الصفات الذاتية في نقطة واحدة، وهي: أن الصفات الذاتية عين ذاته تعالى، فيستحيل اتصاف ذاته بعدمها بأن لا يكون ذاته في مرتبة ذاته عالما، ولا قادرا، ولا حيا، وهذا بخلاف تلك الصفات، حيث إنها أفعاله تعالى الاختيارية فتنفك عن ذاته، وتتصف ذاته بعدمها، يعني: يصح أن يقال: إنه تعالى لم يكن خالقا للأرض - مثلا - ثم خلقها، ولم يكن رازقا لزيد - مثلا - ثم رزقه...، وهكذا. ومن ثمة تدخل عليها أدوات الشرط وما شاكلها، ولم تدخل على الصفات العليا الذاتية.
وإن شئتم قلتم: إن القدرة تتعلق بالصفات الفعلية وجودا وعدما، فإن له تعالى أن يخلق شيئا، وله أن لا يخلق، وله أن يرزق، وله أن لا يرزق، وهكذا، ولم تتعلق بالصفات الذاتية أبدا.
وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر: أن التكلم من الصفات الفعلية دون الصفات الذاتية، وذلك لوجود ملاك الصفات الفعلية فيه، حيث يصح أن يقال: إنه تعالى كلم موسى (عليه السلام) ولم يكلم غيره، أو كلم في الوقت الفلاني ولم يكلم في وقت آخر، وهكذا.
ولا يصح أن يقال: إنه تعالى ليس عالما بالشئ الفلاني، أو في الوقت الفلاني. فما ذكره الأشاعرة: من أن التكلم صفة له تعالى وكل صفة له قديم نشأ من الخلط بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية (1).
الثاني (2): أن كل كلام صادر من المتكلم بإرادته واختياره مسبوق بتصوره في أفق النفس على الشكل الصادر منه، ولا سيما إذا كان للمتكلم عناية خاصة به، كما إذا كان في مقام إلقاء خطابة أو شعر أو نحو ذلك، وهذا المرتب الموجود في أفق النفس هو الكلام النفسي وقد دل عليه الكلام اللفظي، وإلى ذلك أشار قول الشاعر: