انعدمت انعدم، فلا يعقل بقاؤه مع انعدامها، ولا تتعلق بالذات الأزلية، ولا تنبثق من صميم كيانها ووجودها، كما عليه الفلاسفة.
ومن هنا قد استطعنا أن نضع الحجر الأساس للفرق بين نظريتنا ونظرية الفلاسفة. فبناء على نظريتنا ارتباط تلك الأشياء بكافة حلقاتها بمشيئته تعالى وإعمال سلطنته وقدرته. وبناء على نظرية الفلاسفة ارتباطها في واقع كيانها بذاته الأزلية، وتنبثق من صميم وجودها. وقد تقدم عرض هذه الناحية ونقدها في ضمن البحوث السابقة بشكل موسع (1).
وأما نقطة الاشتراك: فهي أن المعلول كما لا واقع له ما وراء ارتباطه بالعلة وتعلقه بها تعلقا في جوهر ذاته وكيان وجوده - لما مضى: من أن مطلق الارتباط القائم بين شيئين لا يشكل علاقة العلية بينهما - فكذلك الفعل لا واقع موضوعي له ما وراء ارتباطه بمشيئة الفاعل وإعمال قدرته وتعلقه بها تعلقا في واقع ذاته وكيانه، ويدور وجوده مدارها حدوثا وبقاء. فمتى شاء إيجاده وجد، ومتى لم يشأ لم يوجد (2).
فالنتيجة: أن المعلول الطبيعي والفعل الاختياري يشتركان في أن وجودهما عين الارتباط والتعلق، لكن الأول تعلق بذات العلة، والثاني بمشيئة الفاعل، لا بذاته، رغم أن صدور الأول يقوم على أساس قانون التناسب ومبدأ الحتم والوجوب، وصدور الثاني يقوم على أساس الاختيار. وقد تقدم درس هذه النواحي بصورة موسعة في ضمن البحوث السالفة (3).
قد انتهينا في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة، وهي: أن للفعل الصادر عن العبد نسبتين واقعيتين:
إحداهما: نسبته إلى فاعله بالمباشرة باعتبار صدوره عنه باختياره وإعمال قدرته.