المعنى الأول كما لا يخفى.
ومنها: قوله تعالى: * (قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله) * (1)، حيث قد ظهر مما تقدم (2): أن الآية الكريمة لا تدل على الجبر، بل تدل على واقع الأمر بين الأمرين، بتقريب: أن المشيئة الإلهية لو لم تتعلق بإفاضة الحياة للإنسان والقدرة له فلا يملك الإنسان لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يقدر على شئ، بداهة أنه لا حياة له - عندئذ - ولا قدرة كي يكون مالكا وقادرا، فملكه النفع أو الضر لنفسه يتوقف على تعلق مشيئته تعالى بحياته وقدرته آنا فآنا، ويدور مداره حدوثا وبقاء، وبدونه فلا ملك له أصلا ولا سلطان.
ومنها: قوله تعالى: * (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) * (3)، حيث قد أسندت الآية الكريمة الضلالة والهداية إلى الله سبحانه وتعالى، مع أنهما من أفعال العباد.
وسره ما ذكرناه: من أن أفعال العباد وإن لم تقع تحت مشيئة الباري - عز وجل - مباشرة إلا أن مبادئ تلك الأفعال بيد مشيئته تعالى وتحت إرادته (4)، وقد تقدم: أن هذه الجهة كافية لصحة إسناد هذه الأفعال إليه تعالى حقيقة من دون عناية ومجاز (5).
فالنتيجة: أن هذه الآيات وأمثالها تطابق نظرية الأمر بين الأمرين ولا تخالفها.
وتوهم: أن أمثال تلك الآيات تدل على نظرية الجبر خاطئ جدا، فإن هذا التوهم قد نشأ من عدم فهم معنى نظرية الأمر بين الأمرين فهما صحيحا كاملا ومطابقا للواقع الموضوعي. وأما بناء على ما فسرنا به هذه النظرية فلا يبقى مجال لمثل هذا التخيل والتوهم أبدا.
ثم إنه لا بأس بالإشارة في نهاية المطاف إلى نقطتين:
الأولى: أن الفخر الرازي (6) قد أورد شبهة على ضوء الهيئة القديمة،