يوجب خروج الفعل عن الاختيار، ولو كان ذلك المرجح هو الإرادة، لما سنشير إليه إن شاء الله تعالى: من أن الإرادة مهما بلغت ذروتها من القوة والشدة لا توجب سلب الاختيار عن الإنسان (1).
الثالث: ما إليكم لفظه: (إن فعل العبد ممكن في نفسه، وكل ممكن مقدور لله تعالى، لما مر من شمول قدرته للممكنات بأسرها، وقد مر مخالفة الناس من المعتزلة والفرق الخارجة عن الإسلام في أن كل ممكن مقدور لله تعالى على تفاصيل مذاهبهم، وإبطالها في بحث قادرية الله تعالى، ولا شئ مما هو مقدور لله بواقع بقدرة العبد، لامتناع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد) (2).
والجواب عنه: أما ما ذكره من الصغرى والكبرى - يعني: أن فعل العبد ممكن، وكل ممكن مقدور لله تعالى - وإن كان صحيحا، ضرورة أن الممكنات بشتى أنواعها وأشكالها مقدورة له تعالى، فلا يمكن خروج شئ منها عن تحت قدرته وسلطنته إلا أن ما فرعه على ذلك من أنه لا شئ مما هو مقدور لله بواقع تحت قدرة العبد، لامتناع اجتماع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد خاطئ جدا.
والسبب في ذلك: ما سيأتي بيانه بشكل واضح من أن أفعال العباد رغم كونها مقدورة لله تعالى من ناحية أن مبادئها بيده سبحانه مقدورة للعباد أيضا وواقعة تحت اختيارهم وسلطانهم فلا منافاة بين الأمرين أصلا (3).
وبكلمة أخرى: أن كل مقدور ليس واجب الوجود في الخارج لتقع المنافاة بينهما، بداهة أنه لا مانع من كون فعل واحد مقدورا لشخصين، لعدم الملازمة بين كون شئ مقدورا لأحد وبين صدوره عنه في الخارج، فالصدور يحتاج إلى أمر زائد عليه، وهو إعمال القدرة والمشيئة.
ومن ضوء هذا البيان يظهر وقوع الخلط في هذا الدليل بين كون أفعال العباد