ومن ناحية أخرى: قد تقدم أن ملاك حكم العقل بالقبح أمران: أحدهما:
تفويت التكليف الفعلي. وثانيهما: تفويت الملاك الملزم (1).
فالنتيجة على ضوئهما: هي أنه لا ملاك لحكم العقل بالقبح في المقام، لفرض عدم إحرازه الملاك. ومن هذا القبيل: ما إذا علم شخص أنه إذا نام في الساعة المتأخرة من الليل لفاتته صلاة الصبح، كما إذا لم يبق - فرضا - من الصبح إلا ساعة واحدة - مثلا - فإنه يجوز له ذلك، لفرض أن الأمر غير موجود قبل الوقت. وأما الملاك فغير محرز، لاحتمال دخل القدرة الخاصة فيه.
وأما الكلام في مقام الإثبات فقد ذكرنا غير مرة: أنه لا طريق لنا إلى ملاكات الأحكام ما عدا نفس تلك الأحكام، إلا فيما قامت قرينة خارجية على ذلك (2)، وعلى هذا الضوء فإن أحرزنا من الخارج اشتمال الواجب على ملاك ملزم في ظرفه فبطبيعة الحال وجب الإتيان بمقدماته قبل وقته إذا علم بعدم تمكنه منها في ظرفه، وإن لم نحرز ذلك من الخارج فإن كان وجوبه فعليا كشف عن أن ملاكه تام، وإلا فلا طريق لنا إليه.
ومن هنا قلنا: إن الأمر إذا سقط في مورد لم يمكن إحراز الملاك فيه، لاحتمال أن يكون سقوطه لأجل عدم المقتضي له، لا لأجل وجود المانع مع ثبوته، وعلى هذا الأساس فلو أنكرنا الوجوب التعليقي وقلنا بعدم إمكان تقدم زمان الوجوب على زمان الواجب لم يمكن إحراز ملاكه قبل وقته.
وبكلمة أخرى: أن التفصي عن الإشكال المتقدم وإن أمكن بحسب مقام الثبوت بأحد الوجوه السالفة إلا أن إثبات تلك الوجوه جميعا بدليل مشكل جدا.
ودعوى: أن الظاهر من قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (3) هو أن ملاك الحج تام في ظرفه بعد حصول الاستطاعة، كما أن الظاهر من قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (4) هو أن الصوم تام