بالمشيئة "، أي: بالوجود المنبسط الذي هو فعله الإطلاقي، وخلق المشيئة بنفسها، ضرورة أنه ليس للوجود المنبسط ما به الوجود.
ولا يخفى أنه (قدس سره) قد تبع في ذلك نظرية الفلاسفة القائلة بتوحيد الفعل، وبطبيعة الحال أن هذه النظرية ترتكز على ضوء علية ذاته الأزلية للأشياء، وعلى هذا الضوء فلا محالة يكون الصادر الأول عنه تعالى واحدا ذاتا ووجودا، لاقتضاء قانون السنخية والتناسب " بين العلة والمعلول " ذلك. وهذا الصادر الواحد هو الوجود الإطلاقي المعبر عنه بالوجود المنبسط تارة، وبالمشيئة الفعلية تارة أخرى، وهو الموجود بنفسه لا بوجود آخر، يعني: أنه لا واسطة بينه وبين وجوده الأزلي فهو معلوله الأول، والأشياء معلولة بواسطته، وهذا المعنى هو مدلول صحيحة عمر بن أذينة المتقدمة (1).
ولنأخذ بالنقد عليه من وجهين:
الأول: أن القول بالوجود المنبسط في إطاره الفلسفي يرتكز على نقطة واحدة، وهي: أن نسبة الأشياء بشتى أنواعها وأشكالها إلى ذاته تعالى نسبة المعلول إلى العلة التامة، ويترتب على هذا أمران:
الأول: التجانس والتسانخ بين ذاته تعالى وبين معلوله.
الثاني: التعاصر بينهما، وعليه حيث إنه لا تجانس بين موجودات عالم المادة بكافة أنواعها وبين ذاته تعالى فلابد من الالتزام بالنظام الجملي السلسلي، وهو عبارة عن ترتب مسببات على أسباب متسلسلة، فالأسباب والمسببات جميعا منتهيتان في نظامهما الخاص وإطارهما المعين بحسب الطولية والعرضية معا إلى مبدء واحد وهو الحق سبحانه، وهو مبدأ الكل، فالكل ينال منه، وهو مسبب الأسباب على الإطلاق. ونتيجة هذا: أن الصادر الأول عن الله تعالى لابد أن يكون مسانخا لذاته ومعاصرا معها، وإلا استحال صدوره منه. ومن الطبيعي أن ذلك لا يكون إلا الوجود المنبسط في إطاره الخاص.