وإن شئتم قلتم: لو كانت لله تعالى إرادتان " ذاتية وفعلية " لأشارت الروايات إلى ذلك لا محالة، مع أنها تشير إلى خلاف ذلك.
ثم إن قوله (عليه السلام) في الصحيحة المتقدمة " إن المريد لا يكون إلا لمراد معه " (1) إشارة إلى أن الإرادة الإلهية لو كانت ذاتية لزم قدم العالم، وهو باطل. ويؤيد هذا رواية الجعفري عن الرضا (عليه السلام) " فمن زعم أن الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد " (2) فإنه صريح في أن إرادته ليست عين ذاته: كالعلم والقدرة والحياة.
لحد الآن قد ظهر أمران:
الأول: أنه لا مقتضى لما التزم به الفلاسفة وجماعة من الأصوليين منهم:
صاحب الكفاية وشيخنا المحقق (قدس سرهما) من كون إرادته تعالى صفة ذاتية له، بل قد تقدم (3) عدم تعقل معنى محصل لذلك.
الثاني: أن محاولتهم لحمل الروايات الواردة في هذا الموضوع على إرادته الفعلية دون الذاتية خاطئة ولا واقع موضوعي لها، فإنها في مقام بيان انحصار إرادته تعالى بها.
ولشيخنا المحقق الأصفهاني (قدس سره) في المقام كلام (4)، وحاصله: أن مشيئته تعالى على قسمين: مشيئة ذاتية، وهي عين ذاته المقدسة، كبقية صفاته الذاتية. فهو تعالى صرف المشيئة، وصرف القدرة، وصرف العلم، وصرف الوجود... وهكذا، فالمشيئة الواجبة عين الواجب تعالى ومشيئة فعلية، وهي عين الوجود الإطلاقي المنبسط على الماهيات. والمراد من المشيئة الواردة في الروايات من أنه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة والمشيئة بنفسها: هو المشيئة الفعلية التي هي عين الوجود المنبسط والوجود الإطلاقي. والمراد من الأشياء: هو الموجودات المحدودة الخاصة، فموجودية هذه الأشياء بالوجود المنبسط، وموجودية الوجود المنبسط بنفسها لا بوجود آخر، وهذا معنى قوله (عليه السلام): " خلق الله الأشياء