يقطع الإنسان، بل ولا يطمئن بالابتلاء، فلو جرى الاستصحاب في هذه الموارد لم يبق تحت هذه العمومات والمطلقات إلا موارد نادرة، وهذا مما لا يمكن الالتزام به فإنه تقييد المطلق بالفرد النادر، ونظير ذلك: ما ذكرناه في بحث الاستصحاب في وجه تقديم قاعدة الفراغ عليه (1).
ثم إن الظاهر اختصاص وجوب التعلم بالموارد التي يقع ابتلاء المكلف بها عادة، وأما الموارد التي يقل الابتلاء بها - كبعض مسائل الشكوك والخلل وما شاكله - مما يكون الابتلاء به نادرا جدا فلا يجب التعلم فيها، لا بحكم العقل ولا بحكم الشرع.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، وهي: أن تعلم الأحكام الشرعية واجب مطلقا، أي: من دون فرق بين ما إذا علم المكلف الابتلاء بها أو اطمأن، وبين ما إذا احتمل ذلك عادة. نعم، فيما لا يحتمل الابتلاء كذلك لا يجب.
ينبغي التنبيه على عدة نقاط:
الأولى: أن ما ذكرناه من وجوب التعلم قبل الوقت فيما إذا كان تركه موجبا إما لتفويت الملاك الملزم في ظرفه، أو لفقد إحراز امتثال التكليف ولو إجمالا (2) مختص بالبالغين. وأما الصبيان فلا يجب عليهم التعلم وإن علموا بفوات الواجب في وقته أو إحرازه.
والسبب في ذلك: هو أن البالغ إذا ترك التعلم وفات الواجب منه في زمنه لم يستحق العقاب على فوت الواجب، لفرض عدم قدرته عليه، وإنما استحق العقاب على تفويت الملاك الملزم فيه من ناحية تفويت مقدمته اختيارا.
وقد تقدم: أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار (3)، ومن الطبيعي أن هذا المعنى لا يتأتى في حق الصبي، وذلك لأن الشارع قد رفع القلم عنه، ومقتضاه: هو أن تركه التعلم قبل البلوغ كلا ترك فلا يترتب عليه أي أثر، وبعد البلوغ لا يقدر