الواجب النفسي لا من وجوبه نفسه فإنه واجب غيري، وذلك لأن ما هو المشهور من أن وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها ومترشح منه خاطئ جدا ولا واقع موضوعي له أصلا، بداهة أن وجوبها على القول به كوجوب ذيها فعل اختياري للمولى وصادر عنه بالإرادة والاختيار، فلا معنى لكونه معلولا ومترشحا منه - فإنه واجب غيري، فإن المولى الملتفت إذا توجه إلى شئ ورأى فيه مصلحة ملزمة فبطبيعة الحال اشتاق إليه، فعندئذ لو كانت له مقدمة بحيث لا يمكن الإتيان به في ظرفه بدون الإتيان بها فلا محالة اشتاق إليها بتبع اشتياقه إلى ذيها، فهذا الشوق الناشئ من وجود الملاك الملزم الكامن في ذيها هو المنشأ لوجوبها الغيري. هذا كله فيما إذا علم أنه واجب نفسي أو غيري.
وأما إذا شك في ذلك فهل الأصل اللفظي أو العملي يقتضي أحدهما خاصة؟
والبحث فيه يقع في مقامين:
الأول: في الأصل اللفظي.
الثاني: في الأصل العملي.
أما المقام الأول: فمقتضى إطلاق الدليل هو الوجوب النفسي، وهذا بناء على نظرية المشهور واضح، وذلك لأن تقييد وجوب شئ بما إذا وجب غيره يحتاج إلى مؤنة زائدة، فلو كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد كان مقتضى إطلاق كلامه هو الحكم بكون الوجوب نفسيا، يعني: أنه واجب، سواء أكان هناك واجب آخر أم لا.
وأما بناء على نظرية الشيخ (قدس سره) من استحالة رجوع القيد إلى الهيئة ولزوم رجوعه إلى المادة فيمكن تقريب التمسك بالإطلاق بوجهين:
الأول: فيما إذا كان الوجوب مستفادا من الجملة الاسمية، كقوله (عليه السلام): " غسل الجمعة فريضة من فرائض الله " (1) وما شاكل ذلك، وفي مثله لا مانع من التمسك