وكيف كان، فإدراك العقل استحالة صدور الظلم عنه سبحانه وقبحه من القضايا الأولية التي هي قياساتها معها. ومن هنا لولا إدراك العقل قبح الظلم لانحلت كافة الأنظمة البشرية المادية والمعنوية.
ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن أفعال الله تعالى لا تتصف بالقبح وأن كل ما يصدر عنه سبحانه حسن إلا أنه لا ينبغي الشك في أن العقلاء يعاقبون عبيدهم على مخالفتهم ويثيبون على إطاعتهم، كما أنهم يمدحون الفاعل على فعل ويذمونه على فعل آخر... وهكذا. ولو كانت الأفعال الصادرة منهم غير اختيارية - كما هو مختار الأشاعرة ومذهب الفلاسفة - فلا معنى لاستحقاقهم المدح والثواب عليها تارة والذم والعقاب أخرى، ومن هنا لا يستحقون ذلك على الفعل الصادر منهم بغير اختيار، وأنهم يفرقون بين الأفعال الاختيارية وغيرها، فلو كانت الأفعال بشتى أنواعها وأشكالها غير اختيارية فما هو سبب هذه التفرقة وحكمهم باستحقاق المدح أو الذم في بعضها دون بعضها الآخر؟ ومن الطبيعي أن كل ذلك يكشف بصورة قاطعة عن بطلان نظرية الجبر وصحة نظرية الاختيار.
الخامس: ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره)، واليك نصه: (العقاب إنما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما، فإن " السعيد سعيد في بطن امه، والشقي شقي في بطن امه "، و " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " كما في الخبر، والذاتي لا يعلل، فانقطع سؤال: أنه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك، وإنما أوجدهما الله تعالى). (قلم اينجا رسيد سربشكست) (1).
وملخص كلامه (قدس سره): هو أن العقاب ليس من معاقب خارجي حتى يلزم المحذور المتقدم، بل هو من لوازم الأعمال السيئة التي لا تنفك عنها، فإن نسبة العمل إلى العقاب كنسبة الثمر إلى البذر. ومن الطبيعي أن البذر إذا كان صحيحا كان