ومن ناحية أخرى: أن الإرادة بكافة مبادئها من التصور والتصديق بالفائدة والميل وما شاكلها غير اختيارية، وتحصل في أفق النفس قهرا من دون أن تنقاد لها.
نعم، قد يمكن للإنسان أن يحدث الإرادة والشوق في نفسه إلى إيجاد شئ بالتأمل فيما يترتب عليه من الفوائد والمصالح، ولكن ننقل الكلام إلى ذلك الشوق المحرك للتأمل فيه. ومن الطبيعي أن حصوله للنفس ينتهي بالأخرة إلى ما هو خارج عن اختيارها، وإلا لذهب إلى ما لا نهاية له.
وعلى ضوء ذلك: أن الإرادة لابد أن تنتهي: إما إلى ذات المريد الذي هو بذاته وذاتياته وصفاته وأفعاله منته إلى الذات الواجبة. وإما إلى الإرادة الأزلية.
وقد صرح بذلك المحقق الأصفهاني (قدس سره) بقوله: (إن كان المراد من انتهاء الفعل إلى إرادة الباري تعالى بملاحظة انتهاء إرادة العبد إلى إرادته تعالى، لفرض إمكانها المقتضي للانتهاء إلى الواجب فهذا غير ضائر بالفاعلية التي هي شأن الممكنات، فإن العبد بذاته وبصفاته، وأفعاله لا وجود لها إلا بإفاضة الوجود من الباري تعالى، ويستحيل أن يكون الممكن مفيضا للوجود) (1).
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أنه لا مناص من الالتزام بالجبر وعدم السلطنة والاختيار للإنسان على الأفعال الصادرة عنه في الخارج.
ولنأخذ بنقد هذه النظرية على ضوء درس نقطتين:
الأولى: أن الإرادة لا تعقل أن تكون علة تامة للفعل.
الثانية: أن الأفعال الاختيارية بكافة أنواعها مسبوقة بإعمال القدرة والسلطنة.
أما النقطة الأولى: فلا ريب في أن كل أحد إذا راجع وجدانه وفطرته في صميم ذاته - حتى الأشعري - يدرك الفرق بين حركة يد المرتعش وحركة يد غيره، وبين حركة النبض وحركة الأصابع، وبين حركة الدم في العروق وحركة اليد