الثاني: أن ترك التعلم قبل الوقت مؤثر في فقد تمييز الواجب عن غيره، يعني:
أن المكلف لا يتمكن معه من الامتثال العلمي التفصيلي بعد الوقت، ولكنه متمكن من الامتثال العلمي الإجمالي، وذلك كما إذا تردد أمر الواجب بين المتباينين كالقصر والإتمام، أو الظهر والجمعة، أو ما شاكل ذلك، فلو ترك المكلف التعلم قبل الوقت لم يتمكن من تمييز الواجب عن غيره بعده، إما من ناحية عدم سعة الوقت لذلك، أو من ناحية فقدان الوسيلة، ولكنه متمكن من إحراز امتثاله إجمالا بطريق الاحتياط، وفي هذا القسم هل يجب التعلم؟ الظاهر عدم وجوبه، وذلك لما حققناه في محله: من أن الامتثال الإجمالي في عرض الامتثال التفصيلي وإن استلزم التكرار (1).
الثالث: أن المكلف إذا ترك التعلم قبل الوقت فكما لا يكون متمكنا من الامتثال العلمي التفصيلي بعد دخوله كذلك لا يكون متمكنا من الامتثال العلمي الإجمالي. نعم، هو متمكن من الإتيان بذات الواجب، يعني: الامتثال الاحتمالي، وذلك كما إذا افترضنا أن الوقت ضيق فلا يتمكن المكلف إلا من الإتيان بفعل واحد: إما القصر أو التمام أو الظهر أو الجمعة.
وفي هذا القسم هل يجب التعلم قبل دخول الوقت؟ الظاهر وجوبه، وذلك لا بملاك قاعدة " عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار "، إذ المفروض عدم امتناع الواجب بترك التعلم، بل بملاك قاعدة " وجوب دفع الضرر المحتمل " حيث إن في الاكتفاء بما يحتمل انطباق المأمور به عليه احتمال المخالفة للتكليف الفعلي من دون مؤمن في البين فلا محالة يحتمل العقاب، ومعه يستقل العقل بوجوب دفعه، وهو لا يمكن إلا بالتعلم قبل الوقت. ومنه يظهر أن ملاك حكم العقل هنا ليس (2) احتمال تفويت الملاك الملزم في ظرفه. هذا كله فيما إذا ترك المكلف التعلم قبل الوقت اختيارا ومتعمدا، أي: مع التفاته إلى أنه يؤدي إلى عدم إحراز امتثال الواجب في ظرفه.