المقدور بالواسطة مقدور، فالمعلول وإن لم يكن مقدورا ابتداء إلا أنه مقدور بواسطة القدرة على علته (1)، ومن الطبيعي أن هذا المقدار يكفي في تعلق النهي به حقيقة، وعليه فلا مقتضى لحرمة المقدمة.
وأما القسم الثاني: فلأنه لا موجب لاتصاف المقدمة بالحرمة الغيرية وإن قلنا بوجوب مقدمة الواجب، وذلك لعدم توقف الاجتناب عن الحرام على ترك المقدمة، لفرض أن المكلف بعد الإتيان بها قادر على ترك الحرام، وهذا بخلاف مقدمة الواجب فإن المكلف لا يقدر على الواجب عند ترك مقدمته.
وأما الحرمة النفسية: فهي على تقديرها ترتكز على حرمة التجري. ولكن قد حققنا في محله أن التجري لا يكون حراما وإن استحق المتجري العقاب عليه. وقد ذكرنا هناك: أنه لا ملازمة بين استحقاق المتجري العقاب وحرمة التجري شرعا (2).
نعم، يظهر من بعض الروايات أن هذه الحرمة من ناحية نية الحرام، وقد تعرضنا لهذه الروايات وما دل على خلافها بشكل موسع في مبحث التجري (3)، فلاحظ.
وأما القسم الثالث: فالأمر كما أفاده (قدس سره)، حيث إنه لا موجب لاتصاف المقدمة بالحرمة أصلا، لعدم الملاك له، فإن ملاكه إنما هو توقف الامتثال عليها، والمفروض أن ترك الحرام لا يتوقف على تركها.
فالنتيجة: أن مقدمة الحرام ليست بمحرمة إلا في صورة واحدة: (الصورة الأولى) بناء على وجوب مقدمة الواجب شرعا، وبما أنه لم يثبت فلا حرمة أصلا.
ومن هنا يظهر حال مقدمة المكروه من دون حاجة إلى بيان.
هذا آخر ما أوردناه في هذا الجزء. وقد تم بعون الله تعالى وتوفيقه.
[ويتلوه الجزء الثالث - إن شاء الله تعالى - وأوله مسألة الضد]