صام فقد أدرك الخير، وإذا ترك الصوم فقد فر من مفسدة التشبه، ولما لم يكن في البين غالب فلا بد من الأمر والنهي، وتكون المسألة من موارد التزاحم بين المصالح والمفاسد عند المقنن وفي مرحلة الجعل والتشريع.
ومن العجيب توهم: أن ما نحن فيه من التزاحم، لإمكان أن يترك المكلف أمر الصوم والنهي، لأنه إذا صام من غير قصد القربة لم يمتثل الأمر ولا النهي، لأن ما هو الباعث على النهي هو الإفطار، لأنه ترك التشبه ببني أمية، دون الصوم الباطل وبلا قربة، فعليه يكون الأمر والنهي من المتزاحمين (1)!!
وأنت خبير بما فيه، ضرورة أن الثابت في أصل الشرع، ترك الصوم الذي كان يأتي به بنو أمية، وهو الصوم العبادي بداعي التقرب منه تعالى، وتركه لا يتوقف على الإفطار.
نعم، إذا أتى بالصوم رياء فإنه قد استجلب مفسدة التشبه ومفسدة الرياء، وابتلي بعدم استجلاب ثواب الأمر أيضا.
وقيل: " إن المأمور هو طبيعة الصوم، والمنهي هو التعبد بالصوم، فيتعدد الموضوع " (2).
وفيه ما مر. مع أن القائل به يعتقد بأن النسبة بين المأمور والمنهي عنه إذا كانت عموما مطلقا، فهي كما إذا كانت النسبة تساويا (3)، فلا تنحل بذلك غائلة المسألة والمشكلة التي ابتلي بها القوم. وهناك (إن قلت قلتات) لا تخلو من الدقة، ولكن العدول عن جميع هذه كان أولى.
أقول: من الواضح إمكان كون الطبيعة الواحدة مورد الأمر والنهي، إذا كان