الليل، ثمت يزيد الليل ارتفاعا، وتستر عنا الشمس وترتفع فوق الليل، ويؤذن عندنا المؤذنون، أفأصلي - حينئذ - وأفطر إن كنت صائما، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، وتأخذ الحائطة لدينك (1). وهو صريح في أن المؤذنين يومئذ كانوا يؤذنون قبل ذهاب الحمرة، ولا ريب أنهم كانوا من العامة.
وهذه الرواية كسابقتها، دليل على المختار أيضا وإن استدل بالأولى، وهذه على خلافه لفعله - عليه السلام - في الأولى وتخصيصه لراوي هذه بقوله: أرى لك - إلى آخره - الظاهر في الاستحباب، وإلا لعمم، وما عبر بلفظ الاحتياط. وقد عرفت ما في فعله من كونه للتقية وتخصيص الراوي لعلة، بل الظاهر أنه من جهة علمه - عليه السلام - بعدم ابتلائه بالتقية، أو بمعرفة (2) سبيل الخلاص عنها. ولفظ الاحتياط. ليس نصا، بل ولا ظاهرا في الاستحباب، لأن ذلك إنما هو بالاصطلاح المتأخر بين الأصحاب، وإلا فالاحتياط هو الاستظهار، والأخذ بالأوثق لغة، بل وفي كلمة متقدمي الأصحاب أيضا، كما مضى.
ولا ريب أن مثله في أمثال العبادات واجب للرجوع إلى حكم الاستصحاب ببقاء شغل الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.
وبالجملة: لا ريب في دلالة هذه الأخبار على المختار، وأن خلافه مذهب أولئك الكفرة الفجار، وبه يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار الدالة على حصول الغروب بمجرد الاستتار، وهو حملها على التقية. ونحوها الأخبار الظاهرة من غير جهة الاطلاق، كالخبر عن وقت المغرب.
فقال: إذا غاب كرسيها، قلت: وما كرسيها؟ قال: قرصها، قلت: ومتى